عبده الأسمري
يبدأ الإنسان طفلاً بإيهام أسرته برأيه الخليط بين البراءة والجهل، وينبرى مراهقاً باستلهام سريرته بقوله المختلط بين الجرأة والتسرع ويجهر راشداً باحتدام علانيته بفكره المتوائم بين الخبرة والانتصار.. ليسير في منطلقات «معلومة» ويمضي في منحينات «مجهولة».. حتى يصل إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً في ظل «وتيرة» زمنية حتمية لا يستثنى فيها أحد إلا بحلول «الموت» أو بدنو «الأجل».
كل نفس أعلم بخلجاتها وأدرى باختلالاتها في ميزان متأرجح بين الآراء السوية والأهواء الذاتية فيأتي «الضمير» كزائر دون استئذان ليقيم في أعماق الذات باحثاً عن إجابة «منطقية» ومستبحثاً عن إنابة حقيقية لترتيب أولويات «اليقين» وتحفيز موجهات «التيقن» نحو السواء وتوجيه أسهم «اللوم» إلى «الأخطاء» وتسديد سهام «الندم» نحو «الأهواء».
في حياة كل إنسان ملفات متعددة يستدعيها «التذكر» ويفتحها «التفكر» تتراوح بين شخصيات ومواقف وتتدرج من العلو إلى السقوط وتتباين وسط الاقتناع والإسقاط.. ويظل فيها العقل في «حيرة» بشأن «القرار» و»خيرة» حول «الاستقرار» لتتمخض قرارات جديدة تعيد للنفس «الاتزان» وتعكس للذات «التوازن».
«الذاكرة» منبع نستسقي منه «الخبرات» ونستوحي منه «الخيارات» وسط سنين مضت نجول في ساعاتها عبر الاستذكار ما بين استدعاء إجباري واجترار حتمي، ماضين في الكثير من محطاتها إلى اللوذ بالنسيان والمضي إلى «السلوان» بحثاً عن محطات جديدة يبدأ فيها تعداد «التعامل» من الصفر وسط «احتياطات» قادمة مستفيدين من «إحباطات» ماضية كانت في حيز «الخذلان».
بين الطفولة والمراهقة والشباب والرشد والشيخوخة يأتي بناء «العمر» على أرضية يمهدها «الإنسان» بفكره وخبرته واختياره والحصيف من أقام عليها «أسساً» لا يستطيع «الناقمون» زعزعة أصولها والمعتبر من شيد عليها «أركاناً» لا يقوى «الحاقدون» على مهاجمة أساساتها وصولاً إلى «حماية» قيمة «الذات» و»وقاية» هوية النفس من هجمات المتلونين ومن سقطات المقنعين الذين يتشبثون بالزيف ويتعاملون بالتزييف.
يمضي قطار «العمر» ونحن في حالة «نكوص» اضطراري إلى ماض يملأ أركان حياتنا بالخبرة ويشبع أبعاد أفعالنا بالقدرة بعد أن تجاوزنا عوائق «المحطات» السابقة، وباتت أنفسنا مهيأة ضد الصدمات ومتواءمة مع الأزمات في ظل اتجاهات متأرجحة بين الرضا والحسرة، نبقى بينها وسط شد وجذب بين التأييد والتجاهل وصولاً إلى تنقية العقل الباطن من الشوائب المختزلة حتى يمتلئ «الوعي» بجرعات «النسيان» وفوائد «الاطمئنان».
في ظل اتجاه الإنسان نحو «الأهواء» الشخصية في الحكم على الآخرين والتحكيم في المضامين والتحكم بين الميادين، فإن ذلك سيحوله إلى «كائن» أناني مستقل بطبعه موبوء بطباعه مغرور بطبائعه مما يجعل «الحوارات» في هوامش «الجدل» و»النقاشات» في فراغات «الجهل» والحلول في متاهات « الهزل».. لطغيان حب الذات على المنطق وسطوة مصلحة النفس على السواء.
آراء الإنسان فيما يخص حياته أو عمله أو تعاطيه مع الغير أو تعامله مع محيطات «البشر» انعكاس حقيقي لشخصيته وخواصه الإنسانية وخاصيته البشرية، فإما أن يحكم الموضوعية فيضع نفسه في مقام «الغير» في الأثر والتأثير وإما أن يسقط في قعر «الذاتية» فتتحول الآراء إلى «أهواء» تنطلق من النفس لتعود إليها متجاهلة كل معاني الاحترام والتقدير والاعتبار لآخرين يملكون نفس الحقوق ويقومون بذات الواجبات.
آراء الإنسان بكل اتجاهاتها مقتضى يصل به إلى «عرفان» واجب و»نكران» متوقع وفق شخصيات البشر في التقييم والتعتيم نحو منافع الغير. في وقت لا بد أن يكون الرأي منطقياً ومنهجياً سواء كان في دائرة شخصية أو منفعة مجتمعية شريطة أن يكون معتمداً على المعطيات وبمنأى عن المؤشرات ومتعامداً على التأكيدات وبعيداً عن التنبوءات ومجرداً من الذاتية الطاغية ومتجرداً من الأنانية المقيتة حتى نصل إلى صناعة «السواء» في دروب حياة تنتظر النفع وتستلهم الشفع من خلال مجابهة الأهواء الشخصية التي تصنع «السوء» وتفرض «الهواية» وتحجب «الهوية».