الهادي التليلي
أحياناً يتوهم الإنسان أنه بمحو أخيه الإنسان تتحقق ذاته أحياناً يحمل العجب هذا الكائن بكونه العارف الفاعل القادر على أن يستوطي جدار وعي أخيه الإنسان.
البراغماتية المجحفة والداخل الحيواني في شبكة مشاعر الواحد تجعل منظومة القيم مجرد صراعات بلا أساس، حتى أنك قد تكون مع من كنت تتوهم أنك قد فزت به صديقاً في جزر الكون البشري المنعدم المشاعر، وفي المنعطف البرمائي من الحياة، تجد أنه هو من كان يحمل السكين خلف ظهره وينتظر الفرصة السانحة لذبحك، إنه العصر الذي لا تنفع معه مقولات العيش والملح والمشاعر وغيرها، الإنسان كما قلناها ذئب أخيه الإنسان حسب الفيلسوف هوبز هذا المثال المبسط يترجم الحالة كاملة لعلاقة الغرب بإفريقيا علاقة تحت شعار الكتابة بالممحاة لنهب الثروات، فالغرب الذي لو عدنا إليه من بوابة مفكرة نيتش نرى لم يكن متوهماً عندما تحدث عن الذئب المخاتل، لم يكن نيتش مجرد فيلسوف يستنهض القوة لدى الكائن البشري، لينتقل من مرحلة العبد إلى السيد نيتش شخص الماضي والحاضر والمستقبل دون أن يسقط في منحدر الطبيعة الإنسانية، نيتش لم يكن مؤسساً للفاشية، ولكن الشيء الوحيد الذي كان براقاً في الفكر الفاشي هو قراءة زعمائه للفكر النيتشوي، فالذي يصنع من القوي ضعيفاً، ومن الضعيف قوياً، ليس الآخر أبداً، إنه أنت الإنسان، فعندما تتوجه بإصبع الاتهام للآخر فأنت لم تتوجه إلا إلى نفسك، فالإشارة إلى الآخر هي إشارة جوفاء، لأن باقي الأصابع تعود إليك، وإفريقيا سمحت لنفسها عبر القرون لأن تكون الورقة الضعيفة في المعادلة الجيوسية الكونية.
فلو نظرت إلى الدول الإفريقية، ترى أنها تمتلك كل وسائل ومقومات النجاح والتحول إلى أقطاب نافذة في العالم، والسؤال الذي يطرح نفسه عليك.. هل فكرت هذه الدول في الانتقال إلى نادي الدول الكبرى؟ هل فكرت أن تسأل نفسها يوماً.. لماذا دول صغيرة مثل بلجيكا -مثلاً- احتلت أكبر دولة في إفريقيا؟ هل سألت حالها لماذا اليابان هذا البلد الصغير في المساحة والذي خرج من الحرب العالمية وقد دُكت مدينتاه هيروشيما وناغازاكي وتهدده الزلازل والبراكين من كل مكان ومع ذلك تحول إلى قطب اقتصادي يشهد به القاصي والداني؟
الدول الإفريقية منهمكة في معارك القبائل وصراعات الأفراد من أجل السلطة والنفوذ، وسفك الدماء، منشغلة عن التنمية بحروب المياه، وتنفيذ إرادة طائفة على أخرى، إفريقيا قارة الثروات لم تنل من التنمية إلا الفتات، إنها الأرض الخصبة التي يستفيد منها غير أبنائها، حكاية افريقيا حكاية تدرس في جامعات فشل القادر فليوبول سيدارسنغور الرئيس السينغالي الذي نقل البلد من التحرير إلى التنمية، استقال تاركاً المجال لغيره، اعترافاً منه بكونه لم يكن رئيساً للسينغال بقدر ما كان موظفاً لدى فرنسا في السينغال، ونيلسون مانديلا زعيم جنوب إفريقيا الذي عانى من السجون، عندما تحرر وجد نفسه في سجن أكثر مرارة، هو الاستعمار الاقتصادي، استقال تاركاً المجال لغيره، محافظاً على رصيده في قلوب شعبه.
البلدان الغنية التي على رأسها دول الاستعمار القديم، لم تكتف بنهب الثروات التي تترجم الرفاه الذي تعيشه المجتمعات الأوروبية، بل صنعت عقلية الخمول، وزرعت مشاتل أعداء التنمية في كل مفاصل الدول التي خرجت منها.