يهرولُ النَّاس بِكُلِّ قواهم إلى حصد الأمجاد الشخصية وارتقاء سلمها حتى يصبحوا مثار اهتمام الآخرين.
تقودهم نحو تحقيق هذا الهدف المنشود رغبات جامحة؛ في أن يحققوا كل شيء.
من يطمح إلى الشهرة يسعى جاهداً إلى أن يكون مشهوراً، ومن يكون مبتغاه الوصول إلى منصب أو تحقيق وجاهة أو أي بريق فإنه يسعى إليه جاعلاً الوصول إلى ذلك غايته الأولى وقمة طموحه.
من الجميل أن تتحقق أمنيات الفرد ويحصل على ما سعى له، لكن عليه ألا يركن إلى ذلك ويتوقف، وخصوصاً بعد تحقيق طموحه؛ لأن رغبات الإنسان لا تقف عند حد، وهو لن يرضى مكتفياً بما تحقق مهما بلغ... ومهما كان الناس ملتفين حوله.
كما يجب عليه ألا يبالغ في إشغال نفسه كثيراً باللهث خلف تحقيق أمنياته على حساب أمور أخرى في حياته لها أهميتها، وإنما يخطط ويترك عجلة الحياة تدور، وكل شيء سيأتي بحسب ما خطط له، والاقتناع بما حصل والرضا به، وأجمل ما في الأمور أن تأتي في حينها.
يجبُ أن نأخذ العبر والعظة من الماضي الذي عشناه والطرق التي سلكناها حتى وصلنا إلى يومنا هذا. هناك آلاف الدروس والخبرات التي مررنا بها؛ علينا التوقف عندها والتبصر والتدبر، وألا تأخذنا العجلة ونظل طوال حياتنا نلهث إلى مستقبل لا نعلم هل ستسعفنا الأقدار حتى نصل بسلام إليه، أم لا؟
من وجهة نظري، أن الإنسان تبقى قيمته الحقيقية في أخلاقه ونبله وإنسانيته ومساعدته للآخرين، أما بقيّة الأمور التي تتحقق له، من مال وجاه ومنصب وسيادة وشهادة وإبداع، فهي جميعها عبارة عن إطار جاذب للآخرين، لكن داخل الإطار تظل الصورة حبيسة هذا الإطار ومقيدة، وينعكس هذا الشيء على داخله فيظل تائهاً يبحث دائماً عن شيء متوهج يجعل صورته حية متألقة داخله. يظل متذبذباً... مترنحاً... يبحث عن شيء مفقود، ولن يصل إلى التوازن الذاتي إلا عندما يعيش حياته داخل كينونته بألق ودهشة لا توصف، لا يقاسمه السعادة أحد.
والارتقاء إلى هذه المكانة الداخلية لا يأتي إلا من خلال تهذيب الروح وإعادة الحسابات في شخصيتك، ومحاولة أن تعيش الحياة كما هي، بعيداً عن أي تكلف، أو اللهث خلف أمور لا يعوّل عليها كثيراً في استقرار روحك بسلام، بل قد تجلب لك الخيبات والحسرات، وتجعلك مضطرباً ومشغولاً دائماً عن النظر إلى داخل نفسك وإخراج كل الإيجابيات التي تمتلكها، وردم الهوة التي تتسبب لك في القلق والرتابة وموت كل شيء جميل في داخلك.