د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تتواصل الإصلاحات الاقتصادية في السعودية، كان آخرها موافقة مجلس الوزراء على دمج مؤسستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية في مؤسسة واحدة، وسوف تصل إجمالي أصول الكيان الجديد بعد اندماجهما إلى ما يقارب تريليون ريال ( 250 مليار دولار )، بهدف تعزيز المركز المالي للصندوق التقاعدي، من خلال تعظيم العوائد الاستثمارية ضمن جهود تكاملية، من أجل بناء قطاع خاص قوي قادر على تنفيذ رؤية المملكة 2030 لبناء مجتمع إنتاجي.
يبلغ مجموع المشتركين على رأس العمل المشمولين بنظام التامينات الإجتماعية حتى الربع الثاني من عام 2020 بلغ 8.82 مليون مشترك، فيما بلغ عدد المشتركين في المؤسسة العامة للتقاعد حتى نهاية الربع الأول من عام 2021 أكثر من 1.2 مليون مشترك.
دمج المؤسستين سينتج واحداً من أكبر 10 صناديق تقاعد في العالم، ومن أهدف الدمج مراجعة إستراتيجية الاستثمار لتعزيز القدرة في الأداء الاستثماري والتوزيع الإستراتيجي وتحقيق الريادة في تقديم المنافع الاجتماعية، للاستفادة من الموارد بشكلها الأمثل، لكي يزيد من الكفاءة التشغيلية والمالية، كونه أحد أهم المرتكزات التي لها دور مهم في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، باعتباره نظاماً تكافلياً يعزز الحماية الاجتماعية، إذ تمتلك المؤسستين 2228.56 مليون سهم بقيمة تقدر بنحو 110 مليار ريال، وهي إحدى محافظ الاستثمار في السوق السعودي.
تتخذ الدولة هذه الخطوة من أجل دمج وإعادة هيكلة العديد من الكيانات في إطار تنفيذ خطة لتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على دخل النفط الآحادي، رغم أهميته في تحقيق التنوع، من أجل زيادة أصول الدولة إلى أكثر من تريليون دولار بحلول عام 2025 لرفع مستوى الإنتاجية.
وبحسب بلومبيرغ، فإن قرار الدمج يدعو إلى إنشاء صندوق لا يمتلك حصصاً كبيرة في الشركات السعودية فحسب، بل يمتلك أيضاً محفظة عالمية تشمل أسهماً بقيمة 204 ملايين دولار في شركة استرازينكا و171 مليون في إتش أس بي سي هولدينغ.
هذا الدمج يواكب برنامج التخصيص الذي يهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص لتوسيع دوره كشريك أساسي في التنمية، وتوسيع مساهمته من 40 في المائة إلى 65 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في 2030 ، ومساهمته في تقديم الخدمات بجودة عالية بأسعار تنافسية، من أجل خفض نسب التضخم، وزيادة الرفاهية، وتحقيق التنوع الاقتصادي، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وزيادة القدرة التنافسية، لمواجهة التحديات، والمنافسة الإقليمية والدولية، من خلال إتاحة الأصول أمام القطاع الخاص، بجانب جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحسين ميزان المدفوعات.
تأتي عملية الدمج على توحيد مظلة الحماية التأمينية لموظفي القطاعين العام والخاص، من أجل إزالة التداخل في الاختصاصات المتشابهة، ومن أجل خلق جهود تكاملية لتعزيز القدرة في الأداء الاستثماري والتوزيع الإستراتيجي.
هناك جهود بذلتها الدولة في رفع أجور السعوديين العاملين في القطاع الخاص استعداداً لهذه المرحلة، وكان عدد السعوديين في القطاع الخاص حتى نهاية عام 2018 الذين لا يزيد راتبهم عن 3 آلاف ريال بنسبة 56 في المائة بنحو 957665 من أصل 1718824 موظف سعودي، انخفضت نسبتهم في نهاية 2020 إلى 40.7 في المائة وطالبت الموارد البشرية برفع رواتبهم كحد أدنى إلى 4 آلاف ريال وعددهم 715422 من أصل 1759558 سعودياً يعمل بالقطاع الخاص.
تود الدولة أن يكون القطاع الخاص شريكاً حقيقياً في التنمية، بعدما كان قطاعاً تقليدياً يعتمد على منظومة كبرى من الفساد في ظل غياب تشريعات وقوانين تحارب التستر التجاري الذي كان يديره غير سعوديين في نشاطات مهمة أهمها تجارة التجزئة والنشاط العقاري، حرمت السعوديين من إتاحة الفرصة للعمل، لكن الدولة مصممة على تغيير واقع القطاع الخاص كجزء أساسي من مشروع التغيير، والتطور الوطني الكبير كما في رؤية 2030 .
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة