عمر إبراهيم الرشيد
درست في ثانوية اليرموك الشاملة في الثمانينيات الميلادية والتي تعد من أضخم وأنجح التجارب التي طبقتها وزارة التعليم في المملكة. كان نظام التعليم فيها نواة للنظام المطور الذي طبّق بدوره وطاله التغيير والتبديل، إلا أن نظام ثانوية اليرموك بالرياض كان بحق فريداً من نوعه وسأبين أسباب تميزه لكيلا يكون حديثي جزافاً. أولاً لم يكن هناك سنة أولى ثانوية بجميع المواد التي تهد أكتاف الطلبة كونها مواد علمية وأدبية وشرعية مجتمعة في السنة الثانوية الأولى، مما أعطى صورة عن تفكير القائمين على العملية التعليمية آنذاك، وهو المثالية التي أهدرت الموارد المالية والبشرية في تلك الفترة مع نتائج تعليمية لم تراع الفئة المتوسطة من الطلبة، حيث إن النابغين قلة ولا يمكن اعتماد تلك المنهجية فقط من أجلهم، ومن الطبيعي أن المهملين أو ضعيفي التحصيل لن ينفعهم ذلك النظام. ولذلك فإن نظام الثانوية الشاملة أنها لم تعتمد السنة الأولى التحضيرية، وإنما يتم اختيار التخصص مباشرة، إما علمي وكان قسمين (فيزياء ورياضيات، أو كيمياء وأحياء) وأدبي وكان يُسمى قسم العلوم الاجتماعية (لاحظوا أن المسمى كذلك كان متميزاً في تلك الفترة)، وهناك قسم العلوم الشرعية، والقسم التجاري ويشمل المحاسبة وعلم الإدارة. لم يكن هذا ما ميّز تلك الثانوية فحسب، بل إنه اعتمد نظام الساعات المطبّق في الجامعات، فكان الطالب يختار جدوله والساعات التي تلائمه، صباحاً ومساءً. ولقد كان الطلبة يذهبون إلى قاعة (المحاضرة) كما تُسمى بدلاً من (الحصة) والتي هي المقر الدائم للمدرس لتلقي محاضرتهم فيها. كانت ثانوية اليرموك الشاملة بحق جامعة مصغَّرة، تهيئ الطالب للحياة الجامعية، والاعتماد على نفسه في اختيار تخصصه المناسب وتحمّل مسؤوليته تجاه تقدمه الدراسي وإنهاء المرحلة الثانوية حسب جهده وفي المدة التي يستطيعها، فبعض الطلبة المجتهدين ومرتفعي الذكاء كانوا ينهون دراستهم خلال سنتين (مع الفصول الصيفية) وإن كانوا قلة كما ذكرت، والبعض الآخر كانوا ينهون الثانوية في سنتين ونصف، ولعل الأكثرية كانوا يتمونها في ثلاثة أعوام.
إضافة إلى ما ذكرت، كان هناك مواد دراسية إلزامية على كافة التخصصات، وتُسمى متطلبات التخرّج، وهي القرآن الكريم (حفظ جزء عمّ) وفي اللغة العربية من قراءة أدبية ومهارات الكتابة والإملاء، ثم هناك المواد الاختيارية التي ينتقي منها الطالب ما يشاء وفي أي قسم، مما يثري التحصيل العلمي والثقافي لدى الطالب، فربما أحب طالب قسم الفيزياء الأدب العربي، وربما رغب طالب القسم الشرعي في إتقان اللغة الفرنسية والتي كانت ضمن المواد الاختيارية، وهكذا استحقت بحق تلك الثانوية لقب الجامعة المصغّرة بما في الجامعات من مرونة وفرص لتوسيع الأفق المعرفي والمهاري لدى الطلبة. لذا كم أتمنى وهي أمنية ممزوجة بذكريات تلك المرحلة سقى الله أيامها، أمنية أن يعاد مثل هذا النظام مع تعديله بما يلائم المرحلة، وبطبيعة الحال ليس على المرحلة الثانوية كافة، وإنما تخصيص بعض الثانويات في كل مدينة لتكون على نمط (اليرموك الشاملة). أكتب هذا المقال مع إقرار الوزارة للفصول الثلاثة في العام القادم وهي تجربة لم نعايشها بعد وإن كان الأمل أن يفيد منها الطلبة والطالبات -بإذن الله، وكل عام وأنتم بخير.