د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في البدء نتساءل هل اكتملت عند أجيالنا الحاضرة القدرة على استيعاب ثقافة اللحظات الحافزة لبلادنا استناداً إلى الواقع الإصلاحي الذي يحيطنا وهجه!؟ وهل بدأنا فعلاً نغرس في الأجيال الحاضرة كيف يتشكَّل الإنتاج وكيف يعلو البناء!؟ فيرتسم في أذهانهم توق وشغف لحزمة من المهام التي قطعاً سيتجاوزها التخصص الواحد في الجامعات اليوم! وهل ترقَّى خيال المتعلمين اليوم بما يكفي أن يتخيلوا أن «الربوت» الذي خضع للبرمجة أصبح أكثر دقة من الإنسان الذي صنعه!؟ والأهم هل تعلم وتعي الأجيال نوعية الخبرات التي يجب أن يتمكنوا منها في عالم يتشظى فيه الإنتاج، ويتجزأ فيه النشاط الإنساني!؟ وهل تنمو نتيجة لذلك قيم جديدة، وثقافة جديدة، واقتصاد جديد!؟ وهل فهمنا أن بقاء العقل مأسوراً في نطاق المعرفة الواحدة دون أن تنبض بكثير من المهارات يعدّ تفريطاً في القدرات البشرية الوطنية، فكم نحن اليوم بحاجة للأيدي المدرَّبة ضمن المعرفة المطلوبة، ولعلنا في عهودنا المبصرة حالياً نمحو من القاموس التنظيمي برامج «إعادة تأهيل الخريجين»، ويتحقق ذلك عندما تكون مخرجات الجامعات موجهة مسبقاً توجيهاً صحيحاً للمشروع الوطني التنموي الكبير، والتعليم في الدول المتقدمة لا يعطي اهتماماً للمؤهلات العليا إلا بقدر الاحتياج للاندماج المجتمعي والوطني المُقاس بدراسات وإحصاءات، وما يدفع بالتعليم إلى تطوير المهارات والخبرات مما يؤهل للإنتاج ولسوق العمل ولدفع عجلة التنمية؛ ولذلك نحتاج حتماً لرفع مستوى الاستعداد لصيانة ثرواتنا البشرية والمادية ولاستغلال ثرواتنا الطبيعية أيضاً بما يخدم الاثنتين، وألا يغادرنا عصر الصناعة كما مرَّ سابقاً من تحتنا دون أن نشعر!؟ كما ويلزمنا نقل التكنلوجيا أو استنباتها؛ وأن نغيِّر دروب المسير إلى سيادة حضارية جديدة! فلابد من التخطيط الممنهج لحيازة عبقرية الاستخدام عندما تتعدد مهام الشيء الواحد! وموجز ذلك أن لا تكون إستراتيجيات صناعة العقول السعودية المؤهلة أحادية المنشأ بل ينبغي أن تكون صناعة وطنية من كل القطاعات المستفيدة بما يحقق المنجز الوطني الكبير، وأن يكون لكل قطاع متطلبات يسهم في تحقيقها مع جهات الإعداد، بمعنى أن لا تُحيَّد السياسات الوطنية إستراتيجياً فتضيع الأهداف!!، فالخطط والبرامج ينبغي اتساقها مع الإستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية!! وينبغي النظر في السياسات التعليمية القائمة للتخصصات؛ ومن ثم تخليص مسيرةالمعرفة من بعض اللوائح والأنظمة التي تتقاطع مع الأهداف المتوخاة من التحول التعليمي العصري، ثم تصنع قوالب شتى للمعلومات تفي وتكفي لتشكيل مهارات متعددة، ويجب أن يكون التعليم الفني إجراءً حضارياً، واهتماماً أولياً للشباب وإعداد الأجيال لخوض غمار التحدي الأكبر الذي يشهده العالم وبلادنا الغالية.
ومن دوائر الإسناد الحقيقي للاتساق بين متطلبات الوظائف مستقبلاً وبين المعرفة التعليمية صياغة إستراتيجية متينة لتقويم مخرجات التعليم في سوق العمل من خلال معدلات الاستقطاب الوطني لمخرجات التعليم، ومستوى الكفاءة المعرفية والمهنية، وتكامل المهارات، والشغف الوظيفي في المجال ذاته، وخلال تلك المسيرة التقويمية يبرز المبدعون وتُسْتخلص العقول الوطنية العظيمة التي تعتبر كشافات ضوء؛ وعند ذاك يكون التعليم قد حقق التوازن المطلوب في ذهنية موظفي المستقبل (الطلاب) بحيث يكون التأهيل قافزاً لانكشافه أمام الرأي العام على تجويد قنوات المعرفة والمهارات المتعلقة بها، وارتشاف العلوم والمعارف في المؤسسات التعليمية وهندستها تطبيقياً، والتدريب عليها مهارياً في أعلى المستويات لضمان ممارستها ثم صبها في قوالب الأعمال لتكون المقاييس ملائمة ومقنعة وقادرة على حمل الطلاب ليكونوا في مستقبلهم موظفين قادرين على المنافسة والإبداع! ومن الأجدى عند إعداد إستراتيجية التحول التعليمي الجديد نحو مضمار وظائف المستقبل من أجل إعداد أبطالها أن يُستحدث قانون تعليمي جديد يحتضن متطلبات سوق العمل ويروي قنواته عند استحداثها من الخبرات والقدرات أولاً بأول دعماً وتصحيحاً يقوم على المعرفة العميقة والمهارات العالية، وتوسيع مجالات الاختيار، فالمستقبل في أعماله الروتينية يحتاج إلى موظف متعدد المهارات قد تفوق في بعض مفاصلها المحددات التخصصية؛ فمؤسسات التعليم هي الوسيط الفاعل لإعداد القوى العاملة،، وتأسيساً على ذلك فالمؤسسات التعليمية لابد أن ترتبط بشبكة غنية من التحالفات مع المجتمع ومؤسساته، إضافة إلى تكوين علاقات رسمية مع كيانات وطنية أخرى للخدمات، وشراكات واسعة من الاتصالات متعددة الوسائط؛ ويصبح التعليم في مجمله نظاماً تعليمياً متعدد الأشكال ذا مجموعات غير محدودة يستثمر التباين في البيئات والمتطلبات المجتمعية والاختلاف في التركيبة السكانية بين المناطق والمحافظات في بلادنا، لإحداث التنافسية في المخرجات التعليمية بما يحقق الاستقرار والإنتاجية العالية، وتحقيق الخبرات المتينة التي تروي مصبات التنمية؛ وما ينبغي تداركه أن لا نجعل دور التعليم مجرد مرحلة من عمر الأجيال وأن عليهم عبور تلك المرحلة كيفما اتفق وأن يحصلوا على درجة علمية (شهادة) تخرج المتعلم من مصطلح الفاشلين، أما ما سوف يفعل بعد ذلك فيبقى أقل أهمية!؟
بوح الختام،،
كان التعليم والتنمية في خطين متوازيين، فكانت فرصة التقائهما بعيدة المنال.
وفي عهدنا الزاهر تم الاندماج؛ عسى أن تكون النتائج غزيرة لاستخلاص الخِبْرات وزفِّها لسوق العمل!