صبحي شبانة
تعرف مواقف الدول في الأزمات، والانحياز إلى جانب الحق كان دوماً وأبداً ديدن قادة المملكة، فلم يتوانوا أبداً في الانحياز لقضايا أمتهم العربية، مواقفهم الصلبة تقف لها الشعوب العربية إجلالا وتقديرا واحتراما وتبجيلا، فهي لا تحصى، لا تخلو منها المقررات المدرسية في كل البلدان العربية، كما أن اطول الشوارع وأكبر الميادين في العواصم العربية هي للملوك السعوديين، لا ينافسهم فيها أحد لأن ما قدموه لا يرتقي اليه أحد، فخلود الأسماء على قدر الإنجاز، والانحياز لمملكة الإنسانية فريضة دينية.
هذه مقدمة لابد منها لأن الدور المحوري الجامع الذي تضطلع به الرياض لحلحلة الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية ليس جديداً أو طارئاً أو خافياً على أحد، فلم تتخلَ المملكة يوماً عن اشقائها أو ترفض طلبا للعون او الدعم او المساندة، المواقف السعودية لا تنسى ولا يمكن تجاهلها فهي حاضرة في كل المواقف العربية، قادتها وابناؤها في الصفوف الامامية في خوض كل الحروب للدفاع عن حياض الامة العربية في فلسطين وسيناء والجولان في 48 و67 و 73، المال السعودي ساهم في إعادة الاعمار وضخ المشروعات التنموية في كل العالم العربي.
زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى مصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي الجمعة الماضية في شرم الشيخ هي حلقة مستمرة في سلسلة طويلة من الأدوار المتكررة التي تقوم بها الرياض في دعم اشقائها العرب كل العرب والوقوف إلى جانبهم لتجاوز ازماتهم، وتخطي عثراتهم، زيارة ولي العهد كانت نقطة الانطلاق للعمل العربي الجاد لمساعدة مصر والسودان في حلحلة أزمة سد النهضة، تبعها حراك على كافة المستويات الدولية والإقليمية والعربية في دلالة ليس خافياً مغزاها في تأكيد واضح لا يقبل الشك على التنسيق التام والتكامل في الرؤى والمواقف، فبالتزامن مع تقديم مصر لشكوى إلى مجلس الأمن أوفدت المملكة السفير أحمد قطان وزير الدولة للشؤون الافريقية للقاء رئيس الوزراء الإثيوبي ابي احمد في اديس ابابا قبل الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب التي تحتضنه العاصمة القطرية الدوحة اليوم الثلاثاء حول أزمة سد النهضة تلبية لطلب دولتي المصب مصر والسودان.
تفاؤل كبير بحلحلة أزمة سد النهضة بعد لقاء ولي العهد بالرئيس عبد الفتاح السيسي، ثقة لا متناهية من كافة الاطياف المصرية والسودانية والعربية في قادة المملكة الذين يمتلكون القدرة على الحسم والتأثير بما يمتلكونه من ثقل سياسي وحكمة واحترام وتقدير بالغ ومكانة كبيرة لدى طرفي الازمة، كثيرة هي المواقف التي نجحت فيها المملكة في أنهاء أزمات وفض حروب ومعارك، على سبيل المثال اتفاق الطائف الذي رعته المملكة عام 1989 وأوقفت نزيف الدم في لبنان بعد سنوات من الحرب الأهلية، اتفاق مكة بين حماس وفتح الذي وقع في مكة عام 2007، كما أن المملكة رعت المصالحة بين اثيوبيا واريتيريا في جدة عام 2018م، وفي نفس العام انهت خصومة بين جيبوتي واريتيريا، كما نجحت السعودية في 2007 من إنهاء خصومة دامت أكثر من ثلاث سنوات بين السودان وتشاد.
من المؤكد أن هناك تطابقاً في الرؤى بين مصر والسعودية في ان الامن المائي العربي خط أحمر، الرئيس عبد الفتاح السيسي رسم خطوطاً حمراء فاصلة واضحة المعالم للأمن المائي المصري والعربي وكل التصريحات التي أطلقها المسؤولون المصريون تؤكد على أن مصر تعاني من فقر مائي ولا يمكن لها أن تسمح بالمساس بحصتها المائية التاريخية، كما سبق وان أكد الوزير احمد قطان في أكثر من مناسبة على أن المملكة تقف بقوة مع الأمن المائي للدول العربية، وانها حريصة على حل الازمة بما يحفظ حقوق الأطراف الثلاثة، وان الرياض تسعى إلى إنهاء أزمة سد النهضة، ، وان يبقى نهر النيل مصدراً للخير لا للشقاق والحروب، كلي أمل وثقة في ان تدخل المملكة سينهي ازمة سد النهضة بما يحافظ على مصالح الدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا، ويظل النيل يجري وينثر الخير للجميع.
** **
- مدير مكتب مؤسسة روز اليوسف الصحفية بالمملكة