عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
لقد اتسمت العلاقات السعودية المصرية في مواجهة التحديات والتغيرات الدولية على الدوام بالتكاتف والتجانس، إذ إنها علاقات لها جذور تاريخية متميزة تتسم بالقوة والاستمرارية نظراً للمكانة الكبيرة التي يتمتع بها البلدان الشقيقان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية.
مصر والسعودية هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي والوصول إلى الأهداف الخيرة المنشودة التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي.
كما أن التشابه في التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية يؤدي إلى التقارب إزاء التعامل مع العديد من المشاكل والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية مثل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، ومن هنا كان طبيعياً أن تتسم العلاقات السعودية المصرية بالقوة والاستمرارية.
وإن مرت بعض الأحيان هذه العلاقات بمنحنيات تعرفها الطبيعة الإنسانية، وتؤثر فيها مقادير الحياة سلبا أو إيجابا، غير أن العلاقات المتميزة بقيت راسخة قوية في وجه العواصف والأنواء، وخرج الجانبان أقوى إرادة وأصلب عوداً، وفي يقين الأشقاء أن الاتحاد قوة، وأن التفرقة ضعف، وحرصت الشقيقتان على ضرورة أن يكون التوافق هو العنوان للعلاقات بينهما.
لا يستطيع أحد أن ينكر الدور التاريخي للملك عبدالعزيز والذي له الفضلُ بعد المولى عز وجل في صياغة الرؤية الاستراتيجية لأسس العلاقة بين السعودية ومصر وبقية الدول العربية أيضاً؛ وذلك في مقولته الخالدة: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب».
تلك الرؤية التي انطلق منها أبناؤه الملوك من بعده في ترسيخ العلاقة مع مصر والمحافظة عليها وتطويرها، والوقوف مع مصر ومساندتها في كل الأحداث التي واجهتها؛ لا سيما بعد نكسة عام 1967 وحرب عام 1973، التي حظرت فيها السعودية تصدير النفط إلى الدول المؤيدة لإسرائيل، إضافة إلى تحملها جزءاً من تكاليف السلاح الذي حارب به الجيش المصري.
فالبلدان هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي كما أن التشابه في التوجهات بين السياستين المصرية والسعودية يؤدي إلى التقارب إزاء التعامل مع العديد من المشاكل والقضايا الدولية والقضايا العربية والإسلامية، خاصة وقد كان لمصر والسعودية دور كبير في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية.
مواقف المملكة النبيلة تجاه شقيقتها مصر
أيدت السعودية مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية.
عقب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية مصر وسوريا والأردن عام 1967، توجه الملك فيصل بن عبدالعزيز بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود.
موقف الملك فيصل في حرب أكتوبر 1973
أصدر الملك فيصل بن عبد العزيز قراره التاريخي أثناء حرب أكتوبر عام 1973 بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل دعماً لمصر في هذه الحرب، كما قام الأمير سلطان بن عبد العزيز بتفقد خط المعركة في أحد الخنادق على الجبهة المصرية. وقام الملك فيصل بن عبدالعزيز بالطواف بموكبه في عدد من المدن المصرية في استقبال شعبي بهيج، وقد رفعت رايات ترحيبية كان من ضمنها لافتة تقول (مرحباً ببطل معركة العبور «السادات» وبطل معركة البترول «فيصل»).
عقب ثورة يناير أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، انحيازه لموقف الرئيس مبارك، ومتحدثا عن «بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريبا وترويعا وحرقا ونهبا ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة».
الملك عبد الله نبه الرئيس الأمريكي إلى أن السعودية على استعداد لتقديم مساعدات مالية للجانب المصري تحل محل المعونة الأمريكية السنوية للقاهرة في حالة استمرار الضغوط الأمريكية على الرئيس مبارك للتنحي.
رفض العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد أحداث 30 يونيو التدخل الدولي في الشأن الداخلي المصري. كما أعلن وقوف السعودية بجانب شقيقتها مصر ضد الإرهاب.
وأعلنت السعودية أنها ستقدم مساعدات لمصر بقيمة أربعة مليارات دولار، وقام الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بالقيام بزيارة عاجلة لفرنسا ضمن جولته الأوروبية لدعم مصر.
وكان العاهل السعودي الملك عبد الله أول المهنئين للشعب المصري وللمرشح الناجح عبدالفتاح السيسي، وقام بإرسال رسالة أوضح فيها أن المساس بأمن مصر هو مساس بالسعودية.
كما دعا الملك عبدالله إلى عقد مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية.
وشارك ولي العهد السعودي وقتها الملك سلمان بن عبدالعزيز في حفل تنصيب عبدالفتاح السيسي رئيسا لجمهورية مصر العربية.
وزاد الدعم في عهد الملك سلمان لمصر وشعبها في عهد الرئيس السيسي، ماليًا وعسكريًا.
وكان قد بدأ الدعم السعودي للاقتصاد المصري منذ أن قدمت السعودية لمصر في 27 أغسطس 1956 مبلغ 100 مليون دولار بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي. واستمر حتى الوقت الحاضر حين قدمت السعودية في 22 مايو 2011 حزمة مساعدات تبلغ 4 مليارات دولار تعهدت السعودية بتقديمها إلى مصر.
العلاقات العسكرية بين مصر والمملكة
أجرت القوات المسلحة للبلدين بفروعها المختلفة عدة مناورات تدريبية مشتركة بينهما بهدف تبادل الخبرات ورفع الكفاءة التدريبية والجاهزية القتالية للقوات المشاركة وتبادل الخبرات واكتساب المهارات القتالية وتمثلت في:
مناورات فيصل: بين القوات الجوية المصرية والقوات الجوية الملكية السعودية.
مناورات مرجان: بين القوات البحرية المصرية والقوات البحرية الملكية السعودية.
مناورات تبوك: بين القوات البرية المصرية والقوات البرية الملكية السعودية.
مناورات الربط الأساسي: بين القوات الجوية المصرية والقوات الجوية الملكية السعودية بمشاركة القوات الجوية للبحرين والكويت والإمارات.
مناورات رعد الشمال: بين القوات المسلحة السعودية والقوات المسلحة المصرية بمشاركة القوات المسلحة لعدة دول عربية إسلامية.
تضاعفت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والسعودية عدة مرات خلال فترة الثمانينات والتسعينات والسنوات الأربع الأولى من القرن الحالي، حيث شهدت نموا مطردا خلال الأعوام الماضية فقد احتلت الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر والمرتبة الثانية على مستوى الاستثمارات العالمية، بقيمة تجاوزت أكثر من 71 مليار جنيه، وحرص البلدان على الارتقاء بالمسار الاقتصادي.
تبادل الزيارات بين الإخوة الأشقاء
استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الخميس، الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي وزير التجارة بالمملكة العربية السعودية، وذلك بحضور الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ونيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة، إلى جانب السفير أسامة نقلي، السفير السعودي بالقاهرة، وبندر العامري رئيس مجلس الأعمال المصري- السعودي.
الرئيس المصري طلب نقل تحياته إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً على ما يجمع بين مصر والسعودية من علاقات تاريخية راسخة على جميع الأصعدة، وموقف مصر الثابت من دعم أمن واستقرار المملكة الذي يعتبر جزءاً من أمن مصر القومي.
وأوضح وزير التجارة السعودي أن مصر تمثل دعامة رئيسية للأمن والاستقرار بالوطن العربي، مثمناً النهضة التنموية الشاملة التي تشهدها مصر بقيادة الرئيس المصري خلال السنوات الماضية، منذ بدء عملية الإصلاح الاقتصادي، وتوفير مناخ جاذب للاستثمار وتعزيز بيئة الأعمال، ثم إقامة المشروعات الكبرى الجاري تنفيذها في مختلف ربوع مصر، وما توفره من فرص استثمارية متنوعة وواعدة في جميع القطاعات، ما أحدث نقلة نوعية لافتة في كافة نواحي الحياة في مصر، وهو ما انعكس على حرص رجال الأعمال السعوديين على زيادة استثماراتهم في مصر في ضوء ما يلمسونه من تطور كبير وجاد في مناخ الاستثمار في مصر.
وسبق أن استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة شرم الشيخ المصرية.
ونشر السيسي عبر صفحته في «فيسبوك» صورة له برفقة ولي العهد السعودي، وعلق قائلاً: «سعدت اليوم بلقاء أخي الأمير محمد بن سلمان. لقد تركز لقاءنا على بحث سبل تطوير العلاقات المشتركة بين بلدينا، كما توافقت الرؤى بيننا حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك».
وأضاف الرئيس المصري: «أؤكد اعتزازي الدائم بالعلاقات المتميزة التي تربط مصر والسعودية على المستويين الرسمي والشعبي».
كما أعلن ماجد بن عبدالله القصبي وزير الإعلام السعودي، تشكيل فريق عمل لوضع رؤية موحدة للإعلام المصري والسعودي، مشيراً إلى أن هناك حاجة ماسة لتوحيد الرؤية الإعلامية المصرية السعودية.
وقال القصبي إن «الكذب والفتن والمغرضين والمستهدفين للعرب مصريين وسعوديين، لابد أن يتم مواجهتهم بإعلام يهدف إلى تثقيف أبنائنا وبناتنا لمواجهة هذا الإعلام، حيث نواجه فتن الإعلام بتثقيف أبنائنا».
وأوضح أن «كل فرد في العالم أصبح محطة إعلامية متنقلة صوت وصورة ومحتوى، والعالم كله يتحدث مع أناس في أقصى الشرق والغرب صوت وصورة، حيث إن العالم أصبح في لحظة واحدة فالوقت ذهب والفورية والبث المباشر أصبح موجوداً».
وسبق أن أكدت الخارجية السعودية أن حكومة المملكة تؤكد على أن أمن جمهورية مصر العربية جزء لا يتجزأ من أمن المملكة العربية السعودية والأمة العربية بأكملها.
فإن المتتبع للعلاقات السعودية المصرية يجد أنها اتسمت على المدى البعيد بالعلاقات الثنائية المتميزة والتوحد والتوافق في معظم القضايا على الساحة العربية والإسلامية والدولية.