عبد العزيز الصقعبي
من حسن حظي أن جيلنا يرتبط بعلاقة قوية مع الجيل الذي سبقه، هذه العلاقة ليست فقط بين كاتب وقارئ، بل تصل إلى حد الصداقة والشعور بأن ذلك المبدع الذي سبقك أصبح رفيقاً لك بالدرب، هذا ما أشعر به مع كثير من المبدعين الذين قرأت لهم قبل أن أبدأ بالكتابة والنشر، ومن هؤلاء الصديق محمد على علوان، الذي يعد من الأسماء التي جعلت للقصة القصيرة رونقاً خاصاً، عرفته كقاص وكاتب زاوية أسبوعية ومشرف على ملحق ثقافي، كان حاضراً بقوة في المشهد الثقافي ولا يزال، استطاع عبر الزمن أن يعلق عقداً من الإبداع عبر مجموعاته لقصصية الست، إضافة إلى كتاب المقالات، كانت أشبه بعقد النور الذي يضيء أرضاً واسعة، كانت البداية بمجموعة الخبز والصمت الصادرة عام 1977م وأخيراً وليس آخراً طائر العِشَا الصادر عام 2020م، هذا الضوء سيبقى متوهجاً ومنيرًا للأبد، الجميل فيه إذا استثنينا المقالات هو أن كل المصابيح المضيئة هي مجموعات قصصية، فن واحد حاضر ومتجدد، من أول نص إلى النص الأخير الذي نشر في الثقافية منذ أسابيع، وبكل تأكيد هنالك نصوص أخرى ننتظر بشغف نشرها لنقرأها ونستمتع.
حين أقابل الصديق محمد علوان، وبالطبع يكفي أن نقول محمد علوان، أقول عندما أقابله أتخيل أنه سيبدأ حديثه معي قائلاً حدثنا رجب عن معجب عن زهبة عن أمها، كأنه سيتحدث عن علي بن حسن مسؤول الأتاريك في أبها، أو محمد بن عائض بن محمد بن عائض من قرية العيضان، أو عن رجال ونساء جمعوا بين الواقع والخيال ليكونوا أشبه بالأسطورة، ظافر، عائش، يعن الله، وغيرهم ونساء ربما لا نجد من يذكر أسماءهن التي غالباً ستختفي مثل غامية وثنوى وحظية، حضور لبيئة الجنوب وبالذات أبها وما حولها من القرى، وبالطبع تكون الرياض حاضرة أحياناً بل أن هنالك قصة بعنوان «رصاصة» في مجموعته الأخيرة تمنيت أن يتجرأ ويعيد كتابتها كرواية، أشعر أن لديه القدرة والخيال لكتابة رواية، وبكل تأكيد رواية مختلفة، يكفي أن يسرد هاجس الذهاب إلى العاصمة، وصدمة الحضارة وقتها ليتخيل أن رصاصة خرجت من التلفزيون في مسلسل أبطال فرجينيا وأطفأت النور، ليست قصة واحدة استوقفتني، بل جميع قصصه، بل أن هناك قصة تمنيت لو حولت إلى فيلم قصير وهي قصة «رسالة الفستق» في مجموعته «إحداهن»، ليس لأن أحداثها وقعت في الطائف، ولكن حكاية تعتمد على مفاجأة صادمة في آخر القصة.
لست بصدد دراسة أو قراءة لمنجز محمد علوان القصصي، بل أحاول أن أكون مبادراً بالحديث عنه، وهو السبّاق بالتواصل مع الجميع ومن ضمنهم أنا، حيث أسعد بتواصله الدائم، وتعليقه على بعض ما أكتب، روح أخوية أسعد بها، وأتمنى أن تعم المشهد الثقافي في المملكة، فجميع الرائعين وأولهم محمد علوان يحرصون على بقاء حبل المودة مع الجميع، هو كائن قصصي ممتع، متميز، ومجدد، كتب القصة القصيرة جداً في مجموعته الأولى، وواصل كتابتها، ولكن جعلها في الأخير أو من ضمن سياقات القصص، هو يعي منذ أن كتب قصة الأولى أن القصة القصيرة يجب أن تتسم بالنضج، وهذا ما أدركه يحيى حقي حين كتب مقدمة الخبز والصمت والتي وصلته عبر صديق مشارك لهما، حيث قال إنها تتسم بالحجم الصغير مع تركيز شديد لم يمنعها تتابع التقطع بسبب الجمل القصيرة المستقلة من تملك قدر لا بأس به من السيولة والتدفق، لحنها شمولي، بعدها عن الافتعال فهي صادقة كل الصدق، لقد كان يحيى حقي واثقاً بأنه سيحقق أمله فيه، رحم الله يحيى حقي، وأمد الله بعمر الصديق محمد علوان الذي يبهجك عندما تلتقي به، أو تحادثه عبر الهاتف، ويمتعك بما يكتبه من مقالات أو قصص قصيرة، هل سيبقى وفياً للقصة فقط، أم يسلك الدرب الطويل راصداً سيرته الثقافية والحياتية، أتمنى أن للحكاية بقية، فيها سرد طويل وكثير من التفاصيل، هي بدأت هكذا كما أخبرنا محمد علوان، ولكن لا بأس لا زلنا ننتظر بقية الحكاية.