د. عبدالواحد الحميد
محمد علي علوان من الأسماء التي لفتت انتباهي في بداية انفتاحي على قراءة القصة القصيرة الحديثة عندما تخرّجت من المرحلة الثانوية بالجوف ودخلت الجامعة في جدة في بداية السبعينيات الميلادية، فقبل ذلك كانت قراءاتي للقصة القصيرة تكاد تنحصر في ما تنشره مجلة قافلة الزيت ومجلة العربي والصحف السعودية وبعض القصص التي يكتبها أدباء مصريون وسوريون وقصص مترجمة، وكلها يغلب عليها الشكل التقليدي، ولم تكن الإصدارات الأدبية الحديثة متوفرة عندنا في الجوف ولا كانت المجلات الأدبية المتخصصة تصلنا إلا في أضيق الحدود.
في تلك الفترة من بداية السبعينيات الميلادية أخذت تبرز، وبالتدريج، أسماء جديدة تكتب القصة القصيرة بقالب مختلف، وكان من أبرز تلك الأسماء التي قرأت لها محمد علي علوان وحسين علي حسين وعبدالله باخشوين وعبدالله السالمي وفهد الخليوي وجار الله الحميد وسليمان سندي وعبدالعزيز المشري، وربما أسماء أخرى تغيب الآن عن الذاكرة في هذه الخاطرة السريعة التي أكتبها على عجل للمشاركة في هذا الملف عن القاص المبدع محمد علي علوان. فعلى الرغم من أنني الآن في رحلة خارج مكان إقامتي وبعيدٌ عن مكتبتي وأوراقي في الرياض، فإنني لم أشأ أن تفوتني هذه المناسبة التي تُفْرِدُ فيها «الجزيرة الثقافية»، ملفاً عن كاتبٍ طالما أعجبتني عطاءاته الإبداعية والفكرية، فضلاً عن المودة الشخصية التي أحملها له والتواصل الذي يربطني به.
وقد كان أدب محمد علي علوان ومازال محل دراسة من النقاد الأكاديميين وغير الأكاديميين ومن زملائه كتاب القصة، وهناك إجماع على ريادة محمد علوان وعلى حجم الإضافة التي قدمها للقصة القصيرة السعودية الحديثة. وبالنسبة لقارىءٍ مثلي غير متخصص في الدراسات الأدبية فإن ذائقتي وحدها هي قادتني مبكراً إلى الإعجاب بقصص محمد علوان والإقبال على قراءة ما يصلني منها، بعيداً عن المعايير التي يحتكم إليها المتخصصون في تقييم النصوص القصصية.
في قصص محمد علوان، يشدك جمال اللغة وموسيقاها ويشدك الشكل الفني ولكن يشدك أيضا توظيف اللغة والشكل والخيال والذاكرة في خدمة الموضوعات الأثيرة لدى الكاتب وفي مقدمتها القرية الجنوبية.. بأشجارها وناسها ومبانيها والكفاح اليومي لأهل القرى وبساطة الريف وعفوية الناس وطيبتهم وجمال لهجتهم وصدقها فلا تملك إلا أن تحب المكان والناس مثلما تفعل وأنت تقرأ حكايات القرى الجنوبية في أدب عبدالعزيز المشري.. الجنوبي الرائع الآخر.
وإذا كانت إسهامات محمد علي علوان في مجال القصة القصيرة التي أخلص لها رغم انفضاض البعض عنها والهروب إلى الرواية هي إسهاماتٌ ريادية وبارزة، فإن إسهاماته في الفضاء الثقافي العام لا تقتصر على القصة أو على الكتابة بشتى ألوانها. فهو من خلال موقعه الوظيفي السابق في وزارة الثقافة والإعلام، بدءاً من عمله كموظف صغير وانتهاءً بوظيفته كوكيل مساعد للإعلام الداخلي، أسهم في خدمة الثقافة والمثقفين، فهو لم يكن موظفاً تقليدياً تحكمه التقاليد البيروقراطية وإنما كان عقلاً مستنيراً منحازاً إلى الثقافة والمثقفين، وكان عنصراً إيجابياً داخل الوزارة في تفهم خصوصية العمل الثقافي ومتطلباته والمساحات التي يتعين توفيرها للمثقف كي يبدع.
ويُحسب لمحمد علوان أيضا ما قدمه للثقافة عندما كان مشرفاً على الصفحات الثقافية في جريدة الرياض وفي مجلة اليمامة. وكل هذه الإسهامات كرست اسم محمد علي علوان رمزاً من رموز ثقافتنا السعودية، وقد سِعدتُ مؤخراً بقراءة مجموعته القصصية الجديدة الجميلة «طائر العِشا» وغردتُ عنها في تويتر وقتَ صدورها قائلاً إن «محمد علوان ينقلك بمهارة فائقة إلى عوالم ساحرة في قرى جنوبية وفي مدنٍ عاش فيها ويوظف قدرته على مزج الأسطورة بالواقع».
وما زال لدى محمد علوان ما يقدمه وما يضيفه، ومازلنا نطمع بالمزيد.