د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** ليس يسيرًا على كاتبٍ أو شاعرٍ أو صاحب قلمٍ حرٍ أن يكون رقيبًا وقتَ عطائه؛ فسيُحسُّ بازدواجية الموقف، وضرورة التوقف؛ فهما، أي الإبداع والرقابة كالماء والنار، أو كالجَدّ والفهم – وفق نظرية أبي محسّد – لا يستوي جمعُهما باقتدارٍ وعدم تعارض، إلا لصفوة الصفوة، وكان منهم أستاذنا محمد علي علوان الذي عمل في وزارة الإعلام حتى صار وكيلًا مساعدًا للوزارة لشؤون الإعلام الداخلي، وهي الوكالة التي تُعنى – ضمن مهامَ أخرى- بفسح الكتب ومنعها، إضافةً إلى أدوارها الحيوية الأخرى.
** تزامن بدءُ نشر مجموعاته القصصية مع انتظامه في العمل الإعلامي الإداري؛ إذ نشر (الخبز والصمت) عام 1977م بعيد تعيينه، وتوالت إصداراته إثر ذلك، ومعظمها (عدا طائر العشا) صدرت خلال تسنمه الوظيفة وحملت تواريخ متقاربة، كما أنه أشرف على الصفحات الثقافية بمجلة اليمامة وجريدة الرياض؛ فكأن رقيبَ النهار هو نفسه مبدعُ المساء.
** لم يكن غريبًا من أبي غسان أن يتولى الضدين، بل إن أمثاله هم المهيؤون لهذا العمل المزدوج؛ ففهمهم أعلى، وخبرتهم أكبر، ومقدرتهم على فرز ما يُكتب ويُنشر أقوى، وحين يتولى الرقابةَ الواعون فإنها منطقُ إعلاءٍ لا استعلاء، وحوار لا دُوار، ومسؤولية قبل أن تكون مساءلة.
** امتاز علوان بتعاملٍ راقٍ ومقدرةٍ ذهنية وإحاطة ثقافية جعلت فترة إدارته للإعلام الداخلي أو مشاركته في الإدارة فترةً خصبة؛ فحُلت المشكلات بيسر، ونشط النشرُ بانفتاح، ولا شك أن دوري الأستاذين الكبيرين عبدالرحمن بن فهد الراشد (أبومصعب) ومحمد العلي الخضير (أبو علي) قد أتاح فوق المُتاح، وما يزال ذكرُ الثلاثة مضيئًا، وخلّفوا كوادر مهنيةً متفوقةً برز فيهم الأساتذة: عبدالرحمن بن عبدالعزيز الخطيب وعبدالله الخرجي، وفهد اليحيى، وهم الذين تعامل معهم صاحبكم في فسح كتبه وكتب بعض أصدقائه، وفي البقية خيرٌ، وللجميع الامتنان.
** وهذا الملف ملمح وفاء لقامةٍ ثقافية وإدارية وإنسانية، ومنفذ تكريم رمزي لا يُجامل كما لا يتجمل.
** نحنُ ما كنّا كي نكون.