د. فهد بن علي العليان
في عددين متعاقبين من أعداد المجلة الثقافية في (الجزيرة) وبدون تخطيط أو إرادة، أجد مقالي يتربع بجوار مقال أخي ورفيق الدراسة في جامعة (أوهايو) المهندس الأنيق شكلاً ومضموناً (د.عبدالعزيز العبودي)، وأعلم يقينا أن الزملاء في التحرير لا يعرفون أننا كنا نتجاور في مدينة صغيرة خضراء جميلة (أثينز) ينساب في وسطها نهر صغير في ولاية أوهايو العريضة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعندما أرسل (أبو سليمان) في مجموعة (الواتس) الخاصة بزملاء الدراسة في فترة الابتعاث الصفحة التي تحوي مقالينا، كتبت في المرة الأولى معلقا «أبا سليمان: تسعدني مجاورة حرفك والقرب من إطلالتك»، فجاءني رده «تسلم أبو علي، يقولون: جاور السعيد تسعد، وأنا أسعد بمجاورة صاحب المداد كريم السجايا». وما عرفت أن المجاورة ستتكرر؛ فكررت عبارتي السابقة، حينها عقَب مرة أخرى قائلا: «مالي إلا امتثال الصمت أمام جمال كلماتك، فالصمت في حرم الجمال جمال».
وعوداً على عنوان المقال، فإن أخي (أبو سليمان) متخصص في الهندسة الميكانيكية وأحد المبتعثين والدارسين في كلية الهندسة بجامعة أوهايو إذ التقيته هناك مع ثلة من الزملاء أهل الهندسة الذين يتبؤون حاليا أماكن تعليمية وقيادية مرموقة في وطننا الغالي، كما أن (د.عبدالعزيز) حلّق عاليا في سماءات وأمجاد جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، إذ نال منها درجة الدكتوراه التي أجزم أنها محظوظة بالحصول عليه، وهو حاليا أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية الهندسة بجامعة القصيم.
وما دعاني للكتابة عنه في هذه السلسلة التي أكتبها عن رجالات عاصرتهم واستفدت منهم وزملاء عشت معهم وبينهم أثَروا وأثروا، هو أن (أبا سليمان) ليس مهندساً منكبا على تخصصه في الهندسة فحسب، بل إنه مهتم بالعلوم الإنسانية بشكل عام، ولديه اهتمام بالقضايا التعليمية والتربوية والشعر والأدب، وربما هذا السبب مع أسباب أخرى هو الذي ربطه بصداقة متينة وعلاقة قوية مع الصديق المشترك (د.راشد العبدالكريم)، إذ كان الاثنان يلتقيان كثيرا وبينهما مطارحات ومناقشات في قضايا تربوية وثقافية متعددة.
وأتذكر جيداً أن صاحبنا (أبو سليمان) كان يحيط مسامرات ومشاركات الزملاء أثناء فترة الابتعاث في نادي الطلبة السعوديين في مدينة (أثينز) باهتمامه الكبير؛ حيث كانت قريبة من عقله وقلبه، بل لكأني أراه يدنو منها ويقترب من أصحابها بهدوئه المعتاد الذي هو أحد سمات شخصيته إلى هذا اليوم، لكن تعليقاته ومداخلاته كانت وما زالت في كل اللقاءات محل تقدير من الزملاء جميعهم مع أنه لا يتحدث كثيرا، لكنه إذا تحدث أفاد وأجاد. ولأن الناس شهود الله في أرضه، فإنني أجزم أن كثيرين ممن عرفوه والتقوا به في أثناء الدراسة وبعد ذلك في كثير من اللقاءات يدركون ويتفقون معي في هذا الطرح، فلم أنس أبدا كلمات الصديق المثقف المختفي (د.عبدالمحسن العقيلي) الذي دائما – إلى هذا اليوم – يشيد ويقدر كثيرا فكر وثقافة وأطروحات (العبودي) عندما كنا نخلو في ردهات مبنى النادي أيام الابتعاث؛ حيث يتجلى الزملاء شعراً وأدباً، وحكايات يسلون بها أنفسهم نهاية الأسبوع قبل أن تلتهمهم المحاضرات في مبنى (ماكراكن)، والمكتبة، ومعامل الهندسة ودهاليزها.
يعرف القراء جميعهم أن بعض أصحاب الطب والهندسة والعلوم الأخرى لهم اهتمامات أدبية ومشاركات ثقافية وفكرية، وهنا أستطيع أن أقول: إن الدكتور المتخصص في الهندسة (عبدالعزيز العبودي) الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة القصيم هو أحد هؤلاء، وأكبر شاهد على ذلك ما يخطه قلمه من مقالات وحروف رائعة في الجزيرة (الثقافية) من وقت لآخر، وأجزم أن الذين لا يعرفونه، لا يتوقعون أن يكون الكاتب (مهندساً) غارقاً في علوم الهندسة الميكانيكية.
وأخيراً - وبعيداً عن المجاملة - تحية شكر وتقدير لـ(الثقافية) التي تتيح الفرصة لكل الأقلام التي تنير الطريق وتسهم في الحراك الثقافي، والشكر موصول للربان الماهر (أبو يزن) الذي يفتح قلبه قبل فتح الصفحات.
( الهندسة .... كلمات)