ليست الأعمال الفنية كلها «مقدسة» لدى «الناس»، بل دخل الكثير من تلك الأعمال في طي النسيان! ما السر في ذلك؟
كي ندخل في صلب الإجابة لا بد من التمهيد. فهدف الفن بالأساس هو المتلقي. والمتلقي لا يمتلك لسان أديب؛ ولا إزميل نحات كفدياس؛ ولا ريشة فنان تشكيلي! فهو إذن محروم من القدرة على التعبير. والتعبير هو ضرورة من ضرورات الحياة! حيث إن الحياة بالضرورة هي «المشاركة» مع الآخر. والمشاركة بحاجة للتعبير والتواصل. وهذه هي «رسالة» الفن!
من هم المتلقون؟ ... إنهم الناس؛ والناس هم المجتمع أو المجتمعات؛ والمجتمعات ليست متجانسة؛ وعلى الرغم من وجود تفرعات كثيرة؛ إلا أن «الناس» صنفان رئيسيان:
الأول: «مستتبَع» بالتراثويين! وهؤلاء قد طلّقوا «الاستمتاع والنشوة» بالثلاث؛ وليس لديهم تفكير؛ تراهم يرددون شعراً باهتاً كالببغاوات؛ دون إحساس؛ ويقدسون الرسم الخالي من «العيون»؛ ويصفون المنحوت بـ«الصنم»؛ ويسخرون بسذاجة من أي عمل يحمل قيمة فنية ما؛ فهم فضلوا الانزواء خارج التاريخ والجغرافيا!
والثاني: «يستعين» في مشوار الحياة بـ«الحداثة»؛ فهو ليس مستتبعاً ولا جامداً؛ ولا يجيز لنفسه التخلي عن عناء التفكير والتطور؛ وينتشي بالتقدم؛ وتجده متفائلاً؛ ودائم الحاجة للعمل الفني «الأصيل»؛ ويلهث وراءه ويتلقفه أين ومتى ما كان؛ بل يعين «شريكه» الآخر على إيجاده؛ ويحفر له مكاناً في الذاكرة والوجدان؛ ويجعل من العمل الفني قوة دافعة له و«لشركائه» لتذليل الصعوبات!
إذا كان هدف العمل الفني هو «المتلقي»، فإنتاجه هو شأن الفنان! وليس جديداً القول إن هناك فنانين «تراثويين» و«حداثيين» وما بينهما! إنما يكتسب «التراثوي» «القدسية» في ذهن المتلقي بالعصا أو تجميد العقل، بينما الأعمال الحداثية «يختارها» المتلقي ذاته ويمنحها «القدسية»، حسب مفعولها في وجدانه! ولكن هذا المتلقي الفقير فنياً، لا يمنح تلك القدسية للعمل الفني وحسب، إنما يمنحها للفنان أيضاً! ولا يمكن لوم المتلقي على ذلك! إنما من يلام حقاً هو «الناقد».
لست هنا بصدد الحديث عن النقد الفني ومهماته، إنما تهمني «القدسية» التي قد تتلف الأعمال الفنية! فبعض الفنانين ينحرف عن هدف الفن في إبراز مواطن القبح والجمال في الحركة الاجتماعية، ويتجه نحو «نفخ» القدسية في «اسمه»!
أوضح مثال على مثل هذا الانحراف؛ من وجهة نظري الشخصية؛ هو بعض المطربين الذين قد حالفهم الحظ وغنوا أغنية ناجحة في بداياتهم؛ أو قد غنوا أغنية قديمة ليست لهم برتم أسرع؛ ثم «تآمروا» مع أجهزة الدعاية؛ عن قصد أو غير قصد؛ ليبثوا «قدسية» لـ«أسمائهم» تدر عليهم «شهرة وأرباحاً»!
كل ما أتمناه أن يكون «المتلقي» محصناً ضد هذه التفاهات، ولا يمنح القدسية إلا للعمل وليس للاسم! ... صحيح أن مجتمعاتنا لم تؤهلنا ما فيه الكفاية للتفريق بين الزهور العطرة والنباتات السامة، ولكننا نستطيع الإصرار عل اكتساب تلك المهارات.
** **
- عادل العلي