د.م.علي بن محمد القحطاني
في البداية حتى لا يؤخذ على المقال النظرة التشاؤمية أود الإشارة لبعض الحقائق والمكتسبات التي حققتها جهود المملكة في الفترة الماضية حيث استطاعت السعودية تجاوز أزمة جائحة «كورونا» بأقل الخسائر في ظل الجهود التي بذلتها الدولة لحماية المواطنين والمقيمين، وتمثلت في تكثيف الإجراءات الاحترازية الاستباقية، والتأكيد على أن صحة الإنسان أولاً، وتوفير اللقاح الآمن والمعتمد دولياً في وقت قياسي، مما جعل المملكة من أفضل دول العالم في مواجهة جائحة «كورونا». ومن هذه الحقائق والمكتسبات:
- إن الإصابات في المملكة بالنظر لعدد السكان ليست مرتفعة لكن لدى وزارة الصحة نظرة مستقبلية مفادها تحقيق المناعة المجتمعية للوصول إلى المعدلات الصفرية في عدد الوفيات التي لن تتحقق إلا في حال تلقي 70 % من عدد السكان اللقاح بجرعتين منه، لكن هذا لا يمنع الحصول على جرعة واحدة لأنها تصل إلى تحقيق 50 إلى 60 % من المناعة؛ ما يقلل نسب الدخول للعناية الحرجة والوفيات.
- يتوفر في المملكة 6 آلاف سرير في العناية المركزة والمشغول منها حاليًّا 1480 سريرًا فقط أي أقل من 25 % من الإجمالي .
- ارتفاع حالات الإصابة الحرجة بفيروس كورونا بالمملكة مؤشر مقلق، لكن الآمال معقودة على الوصول إلى المناعة المجتمعية.
- هناك استقرار في منحنى الإصابات، فالحالات تعد منخفضة، لكن الأهم هو عدد الوفيات وعدد الحالات الحرجة التي زادت الأيام الماضية؛ فزاد المصابون من كبار السن وذوي المناعة المنخفضة، والنساء الحوامل.
- يبلغ تعداد سكان المملكة 35.034.907 نسمة.
- بلغ عدد متلقي اللقاح حتى يوم الأربعاء 16-6-2021م 16.159.930 أي بنسبة 46.162 % وهذا العدد يتطلب مزيدًا من تعاون المجتمع لتلقي اللقاح للوصول للهدف المحدد أي ما يقارب 24 مليونًا.
- بفضل الله فإن نسبة الإصابة من إجمالي عدد السكان فقط 1.32 % ونسبة الشفاء 96.19 % -ولله الحمد- أما نسبة الوفيات 1.63 % رحمهم الله جميعًا.
ومناسبة مقالي هذا استمرار التزايد في خارطة الإصابات بفيروس كورونا بالمملكة وبالذات في مدينتَي جدة والرياض، وحتى لا يتسبب رفع أو تخفيف القيود في انفجار الفيروس كمًّا ونوعًا وسبق وأشرت في مقال سابق لعدة احتمالات لتزايد عدد الحالات أشير هنا فقط لغياب الوعي بأن الإجراءات الاحترازية حماية وليست عقوبة. ومن الاحتمالات أيضًا آلية تطبيق تلك الاحترازات وقد أصاب المجتمع والعاملين عليها الوهن والفتور. أو عدم جودة المواد والأدوات المستخدمة لتطبيق الاحترازات ومن أهمها الكمامة والبون الشاسع بين أسعارها في الصيدليات والمتاجر الكبرى أو في محلات بيع المستلزمات الطبية وهل هذا التفاوت مؤشر على درجة الجودة أم على درجة الجشع؟ ولكوننا أمام مستجدات واستحقاقات تحتمها الظروف الراهنة ومنها إلغاء تعليق السفر من وإلى المملكة ما عدا الدول المرتفع عدد الإصابات فيها ولكن بموجب اشتراطات آمنة وتضمن -بإذن الله- عدم تسلل الوباء إلى الداخل ومنها التأكيد من كون القادمين محصنين (جواز السفر الصحي - والحجر المؤسسي)، وهذا نتقبله كبروتوكول عالمي ولدوره الهام في استمرار دوران عجلة الحركة الاقتصادية والاحتياجات الاجتماعية ولكن ما أدهشني وأثار استغرابي هو إعلان الهيئة العامة للترفيه عودة الفعاليات الترفيهية والحفلات الغنائية وذلك وفقاً لبروتوكولات معتمدة من هيئة الصحة العامة للوقاية من فيروس كورونا. وهي حتى وإن كانت بروتوكولات صارمة لكن المعضلة في مراقبة التنفيذ والالتزام وأتساءل كيف مع استمرار ارتفاع عدد الإصابات وعدم قدرتنا الفعلية على الالتزام الطوعي بالإجراءات الاحترازية خلال أكثر من عام مضى وهل المردود الاقتصادي والصحي والاجتماعي يدعونا للاستعجال بهذا الإعلان؟ وهل سيحقق نفعًا للوطن ومردودًا أكبر من تكاليف عودة انتشار الوباء والضغط المتوقع من جراء ذلك على البنية الصحية في المملكة وأين ستقام...؟ في الغالب إن هذه الفعاليات الترفيهية ستكون في المدن الأكثر تسجيلاً للإصابات وكأننا نؤيد ممارساتهم. وبالعودة لأسباب ارتفاع أعداد المصابين نجد أن أغلب الاحتمالات إن لم يكن جميعها ما زالت قائمة. ولممارسة علم إدارة الأزمات والكوارث بشكل علمي وعملي فعلينا الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث وميزة مرونة خططها حسب ما هو قائم على أرض الواقع. فكلي أمل في التريث في البدء في الفعاليات الترفيهية والحفلات الغنائية فنحعلى وشك الوصول لخط النهاية بإذن الله.
كنت قد اقترحت في مقال سابق إقامة جائزة للمناطق أو المدن التي تحافظ على سجلها خاليًا من الإصابات لمدة ثلاثة أسابيع وإن كان في ذلك صعوبة فلماذا لا يتم تطبيق الأسلوب المتبع في كثير من دول العالم بعد تحويرها بما يتناسب مع الأعداد لدينا وهو ما يسمى بـ»المنطقة البيضاء»، وهي أدنى منطقة معرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا، بحيث يُسمح للمناطق المعينة ضمن المنطقة البيضاء (أقل خطرًا) بإزالة معظم القيود التي لا تزال موجودة في المناطق الصفراء (متوسطة الخطورة) والمناطق الحمراء (أعلى المخاطر) بما في ذلك حظر التجول. وأؤكد بعد تحويرها لتتلاءم مع الأعداد لدينا والأخذ في الاعتبار حجم توفر البنى الصحية في كل منطقة فالمعمول به في إيطاليا مثلاً تتأهل كل منطقة أقل من 50 حالة إصابة بفيروس كورونا لكل 100 ألف شخص لمدة ثلاثة أسابيع متتالية كمنطقة بيضاء. وأكاد أجزم بأن الفعاليات الترفيهية والحفلات الغنائية لا ترتقي في أهميتها لإقامتها في الوقت الراهن فنحن على أعتاب موسم الحصاد إن شاء الله.
الدولة قامت بدورها غير منقوص والآن المسؤولية على عواتق المجتمع بالالتزام بتعليمات التباعد/ منع التجمعات/ لبس الكمامات، وما زلت أردد مقولة الفيروس المعتادة إن عدتم عدنا.