د. عبدالحق عزوزي
اتهمت بكين واشنطن بالمبالغة فيما تسميه «التهديد الصيني» بعدما أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات كبيرة في العلوم والتكنولوجيا، وقالت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الصيني إن هذا «القانون يكشف جنون العظمة والغرور» لدى الولايات المتحدة. واتهمت اللجنة -أيضاً- واشنطن بالمبالغة فيما يسمى «التهديد الصيني».
وتخوض الصين حرباً اقتصادية مع الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وتشكل واحدة من القضايا النادرة التي تابعها الرئيس الديمقراطي بعد سلفه الجمهوري، وهي تحظى بإجماع واسع في الكونجرس.
إذن أقر مجلس الشيوخ الأمريكي -مؤخراً- وفي لحظة تفاهم نادرة بين الديمقراطيين والجمهوريين، مشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات كبيرة في التكنولوجيا المتطورة.
وقد أكد الرئيس جو بايدن في هذا الصدد أن الولايات المتحدة «تخوض منافسة لكسب رهان القرن الحادي والعشرين». وأردف الرئيس: «مع مواصلة البلدان الأخرى الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير الخاصة بها، لا يمكننا أن نتخلف عن الركب»، مؤكداً ضرورة أن «تحافظ أمريكا على مكانتها باعتبارها الدولة الأكثر إبداعاً وإنتاجية في العالم».
وتقضي الخطة بتخصيص أكثر من 170 مليار دولار، وذلك لأهداف البحث والتطوير، وتسعى بشكل خاص إلى تشجيع الشركات الأمريكية على أن تنتج على الأراضي الأمريكية أشباه موصلات تتركز صناعتها حالياً في آسيا.
وينص مشروع القانون على تخصيص مبلغ 52 مليار دولار على مدى 5 سنوات، لتشجيع الشركات على تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات في الولايات المتحدة.
وخلال عرضهم النص، قال برلمانيون: إن الحزب الشيوعي الصيني يستثمر «بشكل كبير مع أكثر من 150 مليار» في هذه التقنيات. كما ترصد الخطة الأمريكية 120 مليار دولار للوكالة الحكومية «مؤسسة العلوم الوطنية» لتشجيع البحث في مختلف المجالات التي تعتبر رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي. كما تشمل 1.5 مليار دولار لتطوير شبكة الجيل الخامس (5جي) للاتصالات.
فمجلس الشيوخ اتخذ إذن خطوة حاسمة إلى الأمام من الحزبين من أجل القيام بالاستثمارات التي تحتاج إليها البلدة لاستمرارية الإرث الأمريكي كرائد عالمي في الابتكار.. ولا يتعلق هذا التمويل فقط بمعالجة النقص الحالي في أشباه الموصلات إنه استثمارات طويلة الأجل خاصة في مجال الذكاء الصناعي؛ فالذي سيفوز في السباق على تقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي «سيكون القائد في الاقتصادي العالمي»، فالأمم «ستصنع العالم على صورتها».
وقد أكد لي -مؤخراً- واحد من أعمدة التنمية والاقتصاد السيد الوزير محمد القباج، وفي صورة مجازية معبرة أن الدول التي تحقق الإصلاحات الذكية في المجالات الاستشرافية والتنموية والاقتصادية هي التي يمكنها أن تفوز برهانات المستقبل؛ وهاته الإصلاحات يجب أن تكون عبارة عن قاطرة محركة تجلب كل عربات القطار؛ بمعنى آخر أن بعض الاستثمارات الذكية يمكنها أن تجلب معها كل أشكال التنمية وتضمن الرقي والتقدم والتموقع الجيد للمجتمعات؛ أما تضييع الوقت في إصلاحات هامشية أو «عرباتية» فإنها لا يمكن أبداً أن تحرك قطار التنمية؛ فهي ولو كانت ضخمة فإنها ستبقى حبيسة مكانها..
لهذا فهمت العديد من الدول أن ربح رهان المستقبل قائم على الاستثمار في مجالات استراتيجية وعلى رأسها الذكاء الصناعي. ونحن في بلداننا العربية يجب أن نطرح سريعاً مسألة التخصصات ووظائف المستقبل في ظل التحولات المتسارعة وغير المسبوقة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي التي تثير بدورها العديد من التساؤلات حول مستقبل منظومة التعليم وعلاقتها بوظائف المستقبل، خاصة في ظل الدراسات التي تتوقع أن تحلّ الروبوتات والأجهزة الذكية مكان الإنسان في الكثير من مجالات الحياة والوظائف في السنوات المقبلة، فالدول التي ستتموضع أكثر في قائمة الدول الناجحة علمياً هي الدول التي ستنجح في تطوير القوى العاملة الوطنية وتعزيزها بشكل مستمر، وبما يتناسب مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم ولاسيما في مجالات الاقتصاد المعرفي والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.
وهذا يستلزم تطوير البرامج والمناهج الدراسية اللازمة لتأهيل الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة؛ ولا بد في هذا السياق من تأهيل المعلمين والأكاديميين والتأكد من امتلاكهم القدرات المعرفية والمهارات التي تساعدهم على نقل المعارف والمهارات الحديثة إلى الطلبة والاهتمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تصاحب عملية التغيير التكنولوجي.