باريس - (أ ف ب):
موجات حر قصوى تجتاح مساحات مترامية من دولة نامية كبيرة فتتسبب بوفاة الملايين من سكانها الذين لا يملكون وسائل وقاية. اللجوء إلى الظل لا يجدي نفعاً، والمساحات المائية أكثر دفئاً من الدم الذي يجري في العروق. هكذا تبدأ رواية خيال علمي صدرت حديثاً، لكن الرعب الذي تصفه وتقشعر له الأبدان قد يكون أقرب إلى العلم منه إلى رواية أدبية، بالاستناد إلى مسودة تقرير للأمم المتحدة يحذر من نتائج وخيمة قد تصيب مئات ملايين البشر في حال استمر الاحترار على حاله من دون رادع.
وكانت نماذج مناخية سابقة توقعت أنه يلزم نحو قرن من الزمن في حال استمرت الانبعاثات الكربونية على حالها لتوليد موجات حر تفوق قدرة البشر على تحملها. لكن توقعات محدثة تحذر من موجات حر قاتلة في المدى القريب، وفق تقرير يقع في أربعة آلاف صفحة وضعته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ واطلعت عليه فرانس برس حصرياً قبل نشره في فبراير 2022.
وترسم مسودة التقرير صورة قاتمة وقاتلة أحياناً للاحترار المناخي على الأرض. ففي حال ارتفعت الحرارة 1,5 درجة مئوية أي أكثر بـ0,4 درجة مما هي عليه الآن سيتعرض 14 % من سكان العالم لموجات حر قصوى مرة واحدة على الأقل كل خمس سنوات بحسب التقرير. وفي حال ارتفعت الحرارة نصف درجة إضافية، يضاف إلى هؤلاء الأشخاص 1,7 مليار شخص.
ويتوافق العلماء على أن الإنسان البالغ السليم غير قادر على التكيف في حال تجاوزت حرارة البصلة الرطبة 35 درجة مئوية (تي دبليو)، حتى إن كان جالساً في الظل ومع إمدادات مياه شرب غير محدودة.
يشير كولن رايمند الباحث الرئيسي في دراسة حديثة حول موجات الحر في الخليج «عندما تكون درجات حرارة البصلة الرطبة مرتفعة للغاية، هذا يعني أن ثمة الكثير من الرطوبة في الهواء بحيث يصبح التعرق غير فعال للتخلص من حرارة الجسم الزائدة». وأوضح «في مرحلة ما ربما بعد ست ساعات أو أكثر، سيؤدي هذا إلى فشل أعضاء الجسم والموت في حال عدم وجود تبريد اصطناعي». ففي يونيو 2015 أسفرت موجتا حر سجلتا 30 درجة مئوية بصلة رطبة في الهند وباكستان عن وفاة أكثر من أربعة آلاف شخص. وفي العام 2003 كانت درجة حرارة البصلة الرطبة في موجة الحر التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في أوروبا الغربية، أقل من ثلاثين. وكانت موجات قيظ في نصف الكرة الأرضية الشمالي في 2019 ، ثاني أكثر الأعوام حراً في العالم، تسببت بعدد كبير من الوفيات إلا أن البيانات حول درجات البصلة الرطبة لا تزال غير كافية. وأفادت أبحاث صادرة عن «إنستيتوت فور هيلث متريكس أند إيفالويشن» أن أكثر من 300 ألف شخص بقليل توفوا جراء الحر في العالم لأسباب متنوعة في 2019 . فيمكن أن يعزى 37 % من الوفيات المرتبطة بموجات الحر أي أكثر من مئة ألف بقليل، إلى الاحترار المناخي بحسب أنطونيو غاسباريني من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.
وأفادت دراسة رايمند أن موجات الحر التي تخطت 27 درجة بصلة رطبة تضاعفت منذ العام 1979 . وتوقعت دراسته أن تتجاوز «حرارة البصلة الرطبة 35 درجة بانتظام» في بعض المناطق في العقود المقبلة في حال ارتفعت حرارة الأرض 2,5 درجة مئوية مقارنة بمستواها قبل الثورة الصناعية.
وتسبب النشاط البشري في ارتفاع حرارة الأرض 1,1 درجة حتى الآن. وينص اتفاق باريس للمناخ المبرم العام 2015 على حصر ارتفاع الحرارة بأقل من درجتين، وإن أمكن 1,5 درجة. وحتى لو تم تحقيق أهداف اتفاق باريس، من المحتمل أن يعاني مئات الملايين من سكان المدن في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا من 30 يوماً من موجات حر فتاكة على الأقل كل عام بحلول العام 2080 ، وفقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة.