د. محمد بن إبراهيم الملحم
عندما تعود الدراسة «عن قرب» لفئة الأطفال سواء الصفوف الأولى أو رياض الأطفال فإن أمامنا سيناريو مهماً للاستعداد لهذا القرار الحساس، وسبب ذلك أن الآراء المتداولة عالمياً بين علماء العدوى تتناوب بين اتهام الأطفال بأنهم عرضة لنقل العدوى لأسابيع دون أن تظهر عليهم أعراض المرض وبين من يقول خلاف ذلك وأنهم لا يتسببون في نقل المرض بشكل خاص ومختلف عن غيرهم من الفئات العمرية، وعندما تكون إزاء موضوع بهذه الطريقة، ويشوبه كثير من الاحتمالات فإن الحكمة تقتضي أن القرارات تأخذ بالصورة الأكثر تشاؤمية (وهو ما يسمى في علم الإدارة بالتخطيط المتشائم Pessimistic Planning) وهو مفيد وفعّال في مثل هذه الظروف، ويوفر لمن يأخذ به درب السلامة، والواقع إنه هو ما أخذت به وزارة الصحة في قراراتها نحو إجراءات منع انتشار العدوى فيما يخص السفر مثلاً والأماكن العامة وغير ذلك من الإجراءات المهمة التي وضعت المملكة -ولله الحمد - في مأمن من الأزمات مقارنة بما حصل جوارنا أو بعيداً عنا في الدول الأخرى، وأعتقد أن الدور الآن على الجهات التعليمية لتأخذ نفس التوجه في خططها نحو عودة الدراسة عن قرب (خاصة للأطفال)، وهذا يتطلب منها الكثير من التدريب والاستعدادات وتوفير المواد والموارد ووضع خطط جديدة، بل وخارطة مختلفة لوضع المدرسة، فغرفة الفصل التي تحوي أربعين طالباً سيتطلب التباعد فيها أن لا يزيد العدد عن عشرين طالباً، وقد ذكر مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها التابع لوزارة الصحة الأمريكية في آخر تقرير له في مارس الماضي أن أفضل مسافة هي أقل قليلاً من مترين (180 سم) بينما أشار إلى أن التباعد لمسافة متر ممكن أن يكون مقبولاً إذا صاحبته احتياطات إضافية مهمة خاصة لبس الكمامة، وهو ما يمكن تطبيقه للطلاب الأكبر سناً من الصف الرابع الابتدائي حتى الثالث الثانوي وكذلك في الجامعات، ولكنه ليس مضموناً للصغار الذين يغلب عليهم عدم التقيد مما يجعل قانون التباعد مترين تقريباً هو الأكثر فعالية وسلامة لهم. وعندما تتبع الجهة التعليمية مثل هذا المسار (أقصد تقسيم الفصل الواحد إلى فصلين) فهذا يعني ضرورة تغيير الخطة الدراسية للمدرسة، وهو ما أدعو إليه وأحث الوزارة على سرعة وضع تصور تخطيطي له، وتغيير الخطة يعني أن يتم توفير مزيد من المعلمين ومزيد من الغرف الدراسية من نفس المدرسة نفسها، وهو ما يعني تحويل عدد من الصفوف العليا إلى الدراسة عن بعبنظام الفصول المركزية أي أن المعلم لا يدرس طلاب مدرسته المتمثلين بفصل واحد به 30 طالباً، بل يدرس فصلاً به 60 أو 90 طالباً في القاعة الافتراضية الواحدة وقد يكونون من غير مدرسته (وهو ما يُسمى بالفصل الضخم Mega Classroom) ويكون ذلك بشكل خاص للمواد الأدبية، وهذا سيوفر معلمين للقيام بتدريس الصفوف الجديدة التي نشأت فوق طاقة المدرسة الأساس، وهدف هذا الإجراء هو تخفيف التركيز على بعض المواد (التي لا تعتبر مواد أساسية Core Curriculum) لصالح مواد أساسية أخرى سواء في نفس الصف (اللغات والعلوم والرياضيات)، وكذلك مواد في صفوف أدنى يمثّل الفاقد التعليمي فيها خسارة فادحة، وهذا خاصة بالمرحلة الابتدائية طبعاً مع تعويم التخصصات كإجراء استثنائي لهذه الحالة لكي يمكن زيادة معلمي الصفوف الأولية من معلمي الصفوف العليا.
تدريب المعلمين على تنفيذ احتياطات التباعد الاجتماعي بالفصل أمر في غاية الأهمية ويجب أن توضع له أنظمته مع مراقبة أداء المعلمين وتقيدهم بذلك، كما ينبغي أيضاً وضع المواد النظامية اللازمة لضبط أداء المعلم وأيضاً ضبط سلوك الطالب وتقيده خاصة لمراحل المراهقة والشباب (المتوسطة والثانوية)، وأعتقد أن من ضمن ما يساهم في نجاح هذا التدريب عمل فيديو توضيحي للمعلم يشرح له دوره في إدارة عملية التباعد الاجتماعي في الفصل وكيف يجب أن يكون وضع الطاولات والكراسي في حالة الدراسة عن قرب ضمن الجائحة، كما يوضح الفيديو ذلك لكل من المدرسة الحكومية ذات الغرف الواسعة، والمدرسة المستأجرة أو الأقل حجماً في مساحات الغرف. يجب أيضاً أن ينبه المعلمون إلى أن أدوارهم أساسية في مراقبة الطلاب أثناء الفسحات وأوقات الفراغ ليضمنوا أنهم يحققون التباعد طوال وجودهم في المدرسة.
وقد وضحت تقارير مركز التحكم في الأمراض والوقاية منها CDC وكذلك منظمة الصحة العالمية WHO على أن الاحتياطات التي يجب أن تطبقها المدارس بالإضافة إلى التباعد هي الالتزام بالكمامة وقياس الحرارة والتنظيف والتعقيم المستمر للطاولات وتنفيذ المدرسة لنشاط يومي لغسيل الأيدي أكثر من مرة مع توفير احتياجات ذلك المادية وأهمها حسب خبرتي توفير الماء في المدارس (قبل توفير الصابون!)، حيث عندما تنقطع المياه عن المدرسة وتتأخر عملية الصيانة لساعات تضطر المدرسة لصرف الطلاب قبل انتهاء اليوم الدراسي وهو أمر مشاهد وليس بالقليل النادر في مدارسنا، ولكن في حالة الدراسة ضمن جائحة كوفيد يجب أن تتغير هذه المعادلة ويكون لعودة الطلاب فاتورة مختلفة فهل تم الاستعداد لذلك؟