منال الخميسي
منذ أن نخطو خطواتنا الأولى في هذه الحياة فإننا نتعرف كل يوم على أشياء جديدة، أشخاص كُثر منهم من يمر بحياتنا مروراً عابراً لا يؤثر فينا، ومنهم من تربطنا بهم علاقة زمالة أو صداقة أو زواج أو حتى علاقة بأقارب، في أي علاقة من هذه العلاقات يكون هناك طرفان، طرف يختص بك وبشعورك وتعاملاتك والطرف الآخر الذي يبادلك أو لا يبادلك ما تشعر به تجاهه، ففي بعض الأحيان عندما تقابل أحدهم وأنت في طريقك تظن بأنك عندما تغدق عليه بكم من المشاعر والاهتمام أنه سيبادلك تلك المشاعر وذاك الاهتمام، وتظل تبذل جهداً في كل شيء من أجل أن يبقى معك، تتنازل عن أشياء تسعدك، تغير تصرفاتك وحتى ردود أفعالك واهتماماتك، كي تكون على نفس خط تفاعله واهتماماته تضحي بالكثير من وقتك وتتغافل عن كثير من تقصيره وإهماله لمشاعرك ظناً أنه سيأتي يوم من الأيام ويقدر ما نقوم به أو يلتفت لكم التضحيات التي قد تكون يومية من أجله، أو أجلها، ولكنك تفاجأ بطريقة صادمة أنه هو أو هي يبحث عن آخرين، يهتم لآخرين يعمل حسابات لكل من يتعامل معه، إلا أنت فلقد تعود منك على التنازل الدائم وطأطأة الرأس، من المحتمل أنك قللت من قيمتك دون أن تدري فهناك نوع من البشر يفهم الطيبة على أنها ضعف وحماقة، لا يعترف إلا بلغة الأنا، لا يعترف بكرم المشاعر، ربما قد تربى على ذلك وربما تعرض لتجربة كانت لها أثر في تغيير وجهة نظره عن الآخرين، وعن الحكم على كل من يراه.
قد تذهب إلى عملك كل صباح متفائلاً منشرح الصدر نقي السريرة، تقابل زملائك بكل ترحاب وود ويطلب منك أحدهم يومياً أن تقوم بأعماله أو تتنازل له عن مكانك المفضل وأنت لا تجد حرجاً في أي من ذلك، تلبي رغباته وتقوم بأعماله وعندما يحدث لك عارض ما تجده أول من يطلق الحجج ويبعثر الأعذار، غير مهتم بمشاعرك أو بالحدث الذي أثر في حياتك، ولا يحدث ذلك لمرة واحدة، وإنما يتكرر ذلك الموقف، ومع تكراره يجبرك على أن تقولها «يكفيني تنازلات لابد وأن أعيد حساباتي في علاقتي معه».
نقطة ومن أول السطر
صديق عمر تعتبره كأخ أو أخت تسير علاقتكم بسلاسة ويسر، تشاركه طعامك وشرابك، أسرارك وحكاياتك، لا تتخيل أن يمر وقت دون أن تحادثه أو يكون بجانبك، تظل تعطيه، ليس شرطاً أي شيء مادي، ولكنك تعطيه مشاعرك ودعمك، استماعك وإرشادك، تفضيلك له حتى على نفسك، وفي بعض الأحيان عن بيتك وأولادك، جرب أكثر من مرة أن يجبرك باسم الصداقة على التنازل عن رأي أو اعتذار عن خطأ لم ترتكبه، وكرر التجربة مرات ومرات إلى أن صار التنازل من جانبك قانوناً حتى في خلافاتك معه تبادر أنت بالمصالحة إلى أن تمر بكما الحياة وأنت دون أن تدري تقر القانون الذي وضع بينكما، أنت المتنازل دائماً وهو الطرف الأقوى الذي يشد طرف العلاقة وأنت الذي ترخيه إلى أن يمس هذا التنازل كرامتك وصورتك أمام نفسك وعائلتك، تجد نفسك تفكر وتعيد تقييم هذه العلاقة تجري له بعض الاختبارات فيرسب، وفي كل مرة يظل قلبك يتغلب على عقلك إلى أن تتلقى منه ضربة قاسمة تقرر حينها أن تفترق عنه وتتركه وتذهب دون التفوه بكلمة واحدة، يندهش ويثور، يحاول عتابك وانت لا تستطيع ان تتكلم تريد فقط الاحتفاظ داخلك ببعض من الود الذي ربما ينقطع لو عاتبته أو راجعته بعضاً من الود والحنين الذي تشعر به عندما يذكر اسمه، ولكنك تعود وتقول كفى تنازلات. وعندما تعيد حساباتك تجدك تقولها وبكل ثقة.
نقطة ومن أول السطر
أما أن تكون علاقتي بغيري متكافئة كلانا يعمل آلاف الحسابات للآخر والا فلا داعي لعلاقة صداقة مائلة إحدى كفتيها عن الأخرى، ومشدود أحد طرفيها دائماً من جانب واحد.
نقطة ومن أول السطر
يسوق لك القدر شريكة أو شريك للحياة تسعد به وتظن أنك وجدت استقراراً، وبداية لبناء بيت وتكوين عائلة من أول يوم وأن تعطي وتعطي لا سبيل لنقاش كل الطلبات مجابة، وكل التنازلات متاحة في سبيل إنجاح علاقة تمنيت استمرارها واكمالها، لكن إن لم تكن التنازلات من الطرفين فإنك ستجد نفسك وبلا منازع الطرف الأضعف إذا كنت رجلاً أم امرأة.
فالمرأة التي تقدم بلا حدود من أول يوم تنازلات مادية ومعنوية لشخص لا يقدر ولا يفهم تلك العاطفة، فإنها تكون حينئذ الطرف الأضعف لا يعمل لها حساب ولا يعتد لها برأي، هنا لابد وان تقف وتعيد حساباتها وتضع نقطة وتعيد تقييم تجربتها من أول السطر.
كذلك الرجل الذي ينجح في تكوين أسرة وانجاب أطفال يغدق في العطاء بلا حدود يحنو على أولاده وزوجته، يترك لهم كامل الحرية في الخروج والدخول إلى البيت لا يجالسونه ولا يتحدثون اليه، يعتبرونه مصدراً مادياً لا يراعون مشاعره ولا احتياجه لهم، يملكون أماً غير مقدرة لاحتياجات زوجها في أن يكون مستقراً ينعم ببقاء عائلته حوله ولا بحقوقه عليها ولا على أبنائه، فتصبح العلاقة غير متوازنة، تستند إلى قشة تقسمها مع أول خلاف أو اختلاف يكون أحد الطرفين فيه واثقاً وضامنا على رضوخ الطرف الآخر، ولكن كما أقول دائما المشاعر لا تحمل أبدا خطاب ضمان، وبالتالي ان رأى أحد الطرفين في المثالين السابقين نوعا من الضغط والإهمال المتواصل من الجانب الآخر فستكون هنا الوقفة وإعادة الحسابات وبالتالي:
نقطة ومن أول السطر
أقاربك من ذوي الأرحام الذين ينادون دائماً بصلة الرحم وأن تكون دائم السؤال عليهم وتفقد أحوالهم دون مبادلة، ولا تجاوب منهم، وكأنك تستجدي اهتمامهم ورغم ذلك تطبق تعاليم دينك تسأل وتسأل، تتهاون في كثير من تقصيرهم حتى مع الرابط الذي يربطك بهم سواء كان أباك أو أمك اعتادوا دائماً على أنك أنت الطرف الرخو والقريب المضمون يزداد إهمالهم وكثرة عتابهم إلى أن يوصلوك إلى الملل من الحديث إليهم والشعور بثقل هذه العلاقة والنفور منها، واضعاً لعلاقتك بهم نقطة نهاية حتى لو مؤقتة علهم يشعرون بضيقك أو يحاولون مراجعة أنفسهم حين يشعرون بفراغ حياتهم من سؤالك عنهم وتفقدهم فيسطروا هم معك صفحة جديدة تراعي فيها صلة الرحم كما يجب أن تكون.
حياتنا مع الآخرين تمتد عبر جسور أولها لدينا وآخرها عندهم لم نسمع أبداً عن طريق له بداية وليس له نهاية هناك خيوط دقيقة لا يمكن أن تفسرها الكلمات، هذه الخيوط إن قطعت أو تبددت فستكون علاقتنا بالآخر أكثر جفاءً وبرودة اهتم جيداً بالخيوط الدقيقة التي تنسج ذاك الجسر القوي بين البشر في حال الاهتمام الدائم والمتبادل والذي سرعان ما ينقطع وتتبدد نسائجه اذا شعر أحد الطرفين بتجاهل وإهمال الآخر، حتى في أبسط المشاعر لا تجعله يقف في منتصف الطريق ويمسك قلمه ويضع النقطة التي يبدأ بعدها سطر جديد في حياته بدونك، فلا تطلب من شخص لم تشعر يوماً بحزنه أو تهتم بفرحه أو أبسط وأعقد اهتماماته، حتى بما تعتبره غير هام أو ضئيل القيمة أن يشعر بك وأنت في أقل درجات الحزن وأكثر لحظات الفرح والسعادة، أنت الذي بددته باستهانتك بمشاعره ووضعته داخل شعور الغريب الذي لا يجد طريقاً للوصول إليك فتغيرت حساباته معك عندما قدرت مشاعرك أنت وحدك واغمضت عينك عن تقدير مشاعره وقطعت بيدك آخر الرقائق التي نُسِجَ بها الجسرالواصل بينكما.
فلا تسعى بأي وسيلة كانت لمحاولة الترميم، فالخيوط الدقيقة إن قطعت لا ترجع كسابق عهدها لذا تكون دائما نادرة بل وباهظة الثمن، ابحث عن آخر يناسبك، تكن خيوط الجسر الواصل بينكما من النوع الذي يسهل وجوده وقد يكون ثمنه رخيصاً يعوض كلما قطع أو تبدل فعشاق النادر قليلون يعرفون القيمة ويحفظون القدْر.
هناك فرق بين أن تكون عند أحدهم قصته المفضلة موضوعه الشيق، ومقالته المهمة كلماته الدقيقة معانيه الراقية وبين أن تكون مجرد جملة في حديث عابر أو كلمة تترك بين سطر وسطر, معنى لا يدركه الخيال حرف يأخذ ثواني كي يُقرأ ويُنسى، لا تجعله بإهمالك يضعك نقطة في آخر سطر
ليبدأ هو بمفرده أو مع غيرك سطراً جديداً.
نقطة ومن أول السطر.