د. عيد بن مسعود الجهني
الموت حق على كل حي، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانْ} (الرحمن 26)، ورغم أن موت قريب أو صديق أو حبيب وانتقاله إلى جوار ربه، إلا أن النفس البشرية يصعب عليها تقبل ما حدث من مصاب جلل في من تحب، وتبرز هنا ردود الأفعال معبِّرة عما تختلجه الصدور من حزن وأسى.
وتبرز كلمات مؤثرة تكاد تنفجر باكية من حرقة قلب فقدان غالي عزيز داعياً الله له بالرحمة والغفران.
والكلمات التي أسطرها عن صديق له في دواخل نفسي حب دفاق واحترام وتقدير لا حدود له، وفراقه أسكب الدموع من عيني وله في ذاكرتي قصص جميلة لا يتسع المجال لذكرها، يكفيني أن نذكر واحدة منها، فقد كان عوناً لي عندما ساقتني الأقدار أن أصل إلى عروس البحر الأحمر مدينة جدة بأهلها الطيبين ولأجد نفسي مضطراً لإنهاء دراستي الابتدائية بالمدرسة السعودية في الفترة المسائية، كان وقتها فقيدنا الأستاذ عواد بن بخيت الجهني -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- الذي أصبح فيما بعد رجل أعمال ناجح في مدينة جدة، وقد استضافني في منزله بكرم واسع وصدر رحب وترحاب منقطع النظير.
وإذا كان الموت حق لا فرار منه، قال تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (الزمر 30)، وهو أمر مفجع فهو يغيّب عنك حبيبًا طالما حفك بعطفه وحنانه وكرمه، فما على الإنسان إلا الاحتساب بالصبر فالله سبحانه وتعالى مع الصابرين المحتسبين قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ (النحل 128).
كان -رحمه الله- صاحب تقوى واستقامة جنَّد حياته للعمل الجاد بكسب المال الحلال حتى حقق مؤسسة تخصصت بالنقل العام بجهد شخصي، فكان مثالاً حسناً للمواطن الذي يعمل مخلصاً في سبيل نجاح يعتبر قدوة حسنة لأقرانه.
الفقيد تمتع بصفات عدة فقد كان يسكنه الحلم وينطقه العلم ولا يقول لسانه إلا الخير كما يقول الشاعر:
عوّد لسانَك قَول الخَير تَحظَ به
إن اللسَان لما عوّدت يعتادُ
كان وفياً مع كل من عرفوه وصادقاً مع كل من تعاملوا معه في تجارة أو مال، فعرفوا عنه حسن الخلق، وحسن الخلق ملكة بالنفس أي طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى.
ويكمل ذلك كله الصفات الطيبة، الصدق الذي كان الفقيد يتصف فيه، وكان علامة مهمة في حياته المليئة بحب الناس من عرفه ومن لم يعرفه.
وإذا كان من كلمات تقال لأسرته الكريمة أبنائه وبناته وزوجته وإخوانه وأخواته إنما هو قول الله جلّت قدرته يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران 200)، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصبر ضياء.. الحديث) أخرجه مسلم.
إن فراق الحبيب يسبب أوجاعًا يحس بها الفاقد وهو يسترجع الذكريات التي تجسدت بينهما، وتبقى تلك الذكريات عالقة في النفس.
ومع هول الصدمة فإن تلك الذكريات تكسر القلم ليكتب أحرفاً وتجبر اللسان على البوح بكلمات.
بل ببكاء ودموع وآهات.
بل إن الأماكن صاحبة الذكريات قد تفقد حلاوة طعمها ويمتد ذلك إلى كل الأماكن التي في غياب الفقيد الحبيب تبدو وكأنها نزر يسير من الماضي.
لقد فقدت عزيزاً غالياً وحزنت كثيراً.
فالموقف صعب.
فالموت هو الذي يفرق الأحبة فراقاً لا رجعة فيه.
وإذا كان التعبير عن ألم الحزن من المحال فإن الدعاء للمتوفي بالرحمة والغفران من عند الله هو الملجأ، فالله جلّت قدرته غفور رحيم قال تعالى: {َا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (سورة الفجر).
رحم الله الحبيب وألهم أسرته الكبيرة الصبر والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة