محمد السنيد - «الجزيرة»:
بدأت مسيرة الخطوط الحديدية السعودية في أربعينيات القرن الميلادي الماضي، حينما تم إنشاء ميناء تجاري على ساحل الخليج لاستقبال السفن الضخمة التي تنقل مستلزمات أعمال صناعة النفط، وبعد موافقة مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، ولد قطاع السكك الحديدية الذي انطلق العمل به في أكتوبر 1947م، حتى دشن الملك عبدالعزيز أول خط حديدي (الرياض- الدمام) في أكتوبر 1951م.
وشهد القطاع خلال مسيرته تطورات عدة في مسماه وجهة الإشراف عليه، وصدر في 22 محرم 1386هـ- الموافق 13 مايو 1966م، مرسوم ملكي، يقضي بالموافقة على النظام التأسيسي للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، وبمقتضاه تم تحويل السكة الحديد إلى مؤسسة عامة لها شخصية اعتبارية، يديرها مجلس إدارة، ويرسم سياساتها العامة وفقاً لأسس تجارية.
وأسند للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية تشغيل خط نقل الركاب الذي بلغ طوله 449كلم، ويربط الرياض والدمام مروراً بالأحساء، وبقيق، وخط شحن البضائع، ويبلغ طوله 569كلم، ويبدأ من ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام لينتهي في الرياض، مروراً بالأحساء وبقيق والخرج وحرض والتوضيحية، علاوة على الخطوط الفرعية التي يبلغ مجموع أطوالها 400كلم، وهي تربط بعض مواقع الإنتاج الصناعي والزراعي وبعض المواقع العسكرية بموانئ التصدير وبعض المناطق السكنية.
وظل خط الرياض- الدمام الوحيد لعدة عقود حتى ربيع الثاني 1427هـ- 2006م، حيث تم تأسيس الخطوط الحديدية السعودية «سار» وهي شركة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، لتنفيذ قطار الشمال، بطول 2750كلم، وبتكلفة 10 مليارات ريال.
وينطلق قطار الشمال للركاب على خط شبكة يبلغ طولها 1250كلم من الرياض باتجاه الشمال، وصولاً إلى القريات على الحدود الأردنية، مروراً بكل من المجمعة والقصيم وحائل والجوف، فيما ينطلق مسار آخر للشحن بطول 1550كلم من مناجم الفوسفات في حزم الجلاميد بالقرب من عرعر في منطقة الحدود الشمالية باتجاه الجنوب، ليتصل بالمسار الأصلي بالقرب من الجوف، ويواصل إلى ما بين منطقتي حائل والقصيم، لينحرف بمسار جديد باتجاه الشرق، مروراً بمناجم البوكسايت بالبعيثة في منطقة القصيم، وصولاً إلى مرافق المعالجة والتصدير في رأس الخير على الخليج العربي.
ورغبة من قيادة المملكة -حفظها الله- في تسهيل تنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة، بطريقة آمنة وسريعة، نفذ مشروع قطار المشاعر المقدسة الذي يربط ما بين المشاعر المقدسة «منى، وعرفات، ومزدلفة في مكة المكرمة» لخدمة الملايين من ضيوف الرحمن سنوياً.
وبدأ تنفيذ المشروع في 2008م، وانطلقت أولى رحلاته في 2010م، وفي عام 2019م، أسند تشغيله لـ»سار»، حيث تبلغ سعة القطار الواحد 3 آلاف حاج، ويشمل تسع محطات، 3 منها في منى، ومثلها في كل من مزدلفة وعرفات، حيث نقل في موسم الحج 1440 الموافق عام 2019م نحو 2.3 مليون حاج. واستكمالاً لحركة التنمية المستدامة في المجالات كافة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تم تنفيذ قطار الحرمين السريع لتلبية تنامي عدد الحجاج والمعتمرين عاماً بعد عام، فضلاً عن المعتمرين والزوار والمقيمين الذين يفدون إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة طيلة أشهر السنة، وفي مواسم العطل والإجازات.
وتم تشغيل القطار نهاية 2018 بطول 450كلم، وبتكلفة زادت على 60 مليار ريال، لنقل الركاب بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، مروراً بمدينة جدة ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ بسرعة 300كلم في الساعة.
ومنذ بداية الخطوط الحديدية، وحتى لحظة «سار» الراهنة، تم التوسع في شبكات الخطوط الحديدية بين المدن، وصدرت عدة قرارات لتوحيد الخطوط الحديدية كافة تحت مظلة واحدة نحو بناء منظومة نقل متكاملة ومتميزة، وتوفير التسهيلات والتشريعات اللازمة لتمكين القطاع من القيام بدوره نحو الاستثمار الأمثل لنقاط القوة في المملكة كمحور لربط القارات، والذي يمثل إحدى الركائز الثلاث لرؤية 2030، وصدر قرار مجلس الوزراء الموقر في جلسته بتاريخ 16-2-2021م، حيث تم إلغاء المؤسسة العامة للخطوط الحديدية، وإحلال الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) محلها، اعتباراً من 1 أبريل 2021م. ويعد القرار تتويجاً لعدة خطوات استهدفت إدارة الخطوط الحديدية وملكيتها وتشغيلها تحت مظلة واحدة لرفع الكفاءة، وتقليل التكاليف، وتوحيد الإجراءات، وتحسين الخدمات، وجذب الاستثمارات، وتنظيم قطاع الخطوط الحديدية؛ وانعكاسه على التوسع في مشاريع السكك الحديدية، والكثير من المشاريع الاستراتيجية الأخرى التي تحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030 لجعل المملكة مركزاً لوجستياً دولياً.
وستركز «سار» خلال المرحلة المقبلة على فتح آفاق واسعة في مجال الاستثمار للقطاع الخاص السعودي والشركات الدولية الرائدة، وتطوير القطارات والبنية التحتية ومحطات الركاب وعمل الحاويات، والحاويات المتخصصة في نقل المواد الصلبة والسائبة، وأتمتة العمل في المستويات كافة، فضلاً عن التخطيط للتوسع مستقبلاً في دائرة التغطية لشبكة الخطوط الحديدية، ومحطات الركاب والشحن، والتطوير التقني داخل الشركة، وتنفيذ مشروع جديد لإنشاء خط حديدي مزدوج لنقل البضائع ما بين الدمام والرياض، وزيادة طاقة النقل بنحو 60 في المائة من حجمها الحالي.
وتخطط «سار» لتعظيم الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين، والالتزام بتقديم خدمة متميزة تحوز رضا عملائها، ومواصلة دعم الشركات المحلية وزيادة المحتوى المحلي، والحرص على استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرات المتميزة في المملكة والمحافظة عليها، مع مراعاة تقليل الحوادث والانبعاثات الكربونية، وتطوير البنية التحتية للخطوط الحديدية في المملكة لتصبح الأفضل في المنطقة.
وتمتلك سار حالياً شبكة سكك حديد متطورة يزيد طولها على 5.5 ألف كلم، ويتم تشغيل قطارات ركاب ليلية ونهارية، ومن خلالها يتم فيها توفير وسائل الراحة والأمان كافة للمسافرين عبر 15 محطة في شمال وشرق وغرب المملكة، حيث تضم أجنحة مخصصة للعوائل، ومناطق للصلاة، ومساحة لذوي الاحتياجات الخاصة، وعربات خاصة بالمطعم، ومقصورات مخصصة للنوم، وتتمتع جميع العربات بتكييف كامل، وشبكة Wi-Fi ونظام معلومات يوضح تفاصيل تقدم سير الرحلة، وأوقات الوصول، ودرجات الحرارة الخارجية، حيث صُممت قطارات سار للعمل في البيئات الصحراوية والظروف الجوية المختلفة، مما يضمن جودة تشغيلية عالية.