عبدالوهاب الفايز
يبدو أن الحكاية أو (السالفة) أو المعاناة ليس لها حدود حين الحديث عن التسويق الزراعي!
هذا الموضوع توقعنا أن الناس انشغلوا عنه وتناسوه، وقبلوا أن التعايش مع الحال القائم! لكن ردود الفعل والتفاعل الذي لقيته المقالات الثلاث السابقة أكدت أن الناس لم تنس موضوعًا يمس صحتها ويمس الأمن الغذائي. وكشفت أيضًا: أنني عرفت شيئًا وغابت عني أشياءُ!
فهذا الموضوع ليس كما عهدناه قبل عقدين من الزمن، فالآثار السلبية التي ترتبت على إهمال تطوير منظومة القطاع الزراعي تمددت وتوسعت وتعقدت. وأدركت هذا من الردود والدراسات والمقترحات السريعة التي وصلت عبر الاتصالات، وعبر الرسائل الصوتية، وهذه ذكرتني بأهمية (صحافة المواطن) التي لم يستفد منها إعلامنا ويطورها!
هناك ردود وصلتني تحمل أفكارًا وتصورات معدة بعناية، ولعلي استعرضها بتصرف دون ذكر اسم أصحابها، فهؤلاء يهمهم وصول أصواتهم ومقترحاتهم لمن تعنيه هموم الناس لكي يُستفاد منها لأجل المصلحة العامة. وهذا هو نموذج المواطنة الإيجابية التي تريد أن تكون جزءًا من الحل، وعونًا للمسؤول.
أحد الأكاديميين الذي أدرك حرفة الزراعة متأخرًا، وكان من قيادات الإدارة المحلية، بعث برسالة تضمنت أمورًا استخلصها من نقاشات ورشتي عمل مكثفة لمجموعة من المزارعين من مناطق عدة، اجتمعوا بهدف التنسيق ورفع الوعي والتثقيف الزراعي.
من هذه الورشتين اتضح أن المزارعين يواجهون تحديات كبيرة منها (محدودية الخدمات الحكومية المقدمة لهم، والمتزامنة مع انحسار الدعم الحكومي في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية وانعكاسات جائحة كورونا على هذا القطاع).
أيضاً اتفقوا على قضايا يتطلعون إلى اهتمام وزارة البيئة والمياه والزراعة وجهات الأخرى ذات علاقة مثل: التسويق الزراعي، العمالة الزراعية، الوقود والطاقة، دعم المبيدات والأسمدة وخاصة ما يصنّع منها محلياً.
أيضًا يرون (ضرورة معالجة ارتفاع الأسعار لمنتجات الأسمدة من شركة سابك والتي كانت تباع عبوة الكيس 50 كجم لمركبات الداب بـ46 ريالاً في العام المنصرم والآن بـ90 ريالاً رغم أن المنتج نفسه لسابك يباع في الدول المجاورة بأقل من نصف السعر المشار إليه، ولم يرتفع كما ارتفع لدينا، وخذ على ذلك قياساً السلع وقطع الغيار للميكنة الزراعية الأخرى ذات الاحتياج للقطاع الزراعي) - على حد وصف المعلق.
أيضاً يهمهم موضوع التصدير وخاصة المنتجات التي تتميز بها المملكة مثل التمور وغيرها، (فقد كان هناك مطالبات لتسهيل هذا الجانب ولا تزال الأمور تعالج في نطاقات ضيقة). كذلك يتطلعون لـ (العمل بالروزنامة الزراعية لضبط وترتيب المنتجات في المناطق والتحكم في عمليات الإنتاج وضبطها). ولم ينس المشاركون موضوع التصنيع الزراعي، وهذا أحد إخفاقات قطاع الصناعة في المملكة، فالصناعة الغذائية فشلت في الاستفادة من الإنتاج الوفير في التمور. يقول: (العام الماضي قدمنا مبادرة كبيرة للصناعات التحويلية للنخيل والتمور.. قدمناها إلى (.....) وكانت النتيجة (صفرًا)، على الرغم من أن مثل هذه المشاريع مهمة والقطاع بأمس الحاجة لها وتساعد في الحد من التدهور الحاصل في الأسعار المتراجعة للتمور وتقليل الفاقد الكبير من المنتج).
الجميل في المشهد أن المزارعين لديهم الواقعية في تقدير الأمور، إذ يرون أن (مواضيع الزراعة كثيرة ومتعددة وشائكة وبحاجة إلى التفاتة مكثفة إعلامياً وتنظيمياً وتنسيقياً وحوكمة وتشريعات وأنظمة وقوانين وتدريب، وما إلى ذلك).
ويبقى أن التسويق الزراعي بالنسبة لهم هو (الآن من بين أهم المواضيع التي تتبوّأ الأولويات القائمة كمواضيع ملحة في القطاع، خاصة أن أسواق الخضار والفاكهة المنتشرة في مناطق المملكة وكل المدن والمحافظات تعاني من فلتان تنظيمي كبير وبحاجة إلى الجهة الرسمية المعنية بالقطاع الزراعي أن تدخل بقضّها وقضيضها لمعالجة هذا المرتكز الرئيس وإيجاد الحلول الناجعة له)، وما يتطلعون إليه، وبشكل عاجل من الاستفادة، - مما يتردد - عن نقل مجموعة من الاختصاصات الزراعية (عددها سبع اختصاصات) من وزارة الشؤون البلدية إلى وزارة البيئة.
أخيراً، لعلي لا أبالغ إن قلت أن أكثر القضايا التي أرقتنا خلال جائحة كورونا كان الأمن الغذائي، وقد رأينا كيف تنادت الدول وأغلقت حدودها، وأوقفت تصدير منتجاتها، ولعلنا لحظنا التفاتة سريعة في حينه لبعض القطاعات الزراعية وسلاسل إمدادها، حيث بدأنا نتفحص إمكانياتنا، ونتفقد منتجاتنا، ونبحث عن مزارعينا، الذين كانوا على قدر المسؤولية. ثقتنا كبيرة بإمكانات بلادنا وإخلاص قياداتها ورجالها.