د.شريف بن محمد الأتربي
مما لا شك فيه أن الدولة تبذل قصارى جهدها لمعالجة الخلل الظاهر والواضح في سوق العمل لكافة الوظائف؛ وعلى مدار العقد الماضي وحتى الآن تتخذ وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية كثيراً من القرارات سواء برفع نسب السعودة أو توطين الوظائف، ولعل آخرها ما يتعلق بالتعليم، وكل هذه القرارات لاقت استحسان المواطن ورضاه وفتحت له أسواقاً كثيرة للعمل كانت حتى قبل إصدار هذه القرارات مقصورة على فئات معينة من الإخوة المقيمين العاملين في المملكة.
لقد ساعدت هذه القرارات على تحفيز المواطنين على الانخراط في سوق العمل والتطلع لغد أفضل يتوقع من خلاله أبناء الوطن الحصول على فرص أكثر سواء في التوظيف أو في الترقي في السلم الوظيفي نتيجة ارتفاع نسب السعودة والاتجاه للتوطين، ويترادف مع هذه الإجراءات المهمة تساؤلات مهمة أيضا لعل من أكثرها طرحاً هو: متى نوطن ونسعود الوظائف الحرفية؟
إن الوظائف الحرفية - بكل ما تشملها العبارة من مفاهيم - تشكل سوقا مهما للعمل، وأيضا مجال من مجالات الاقتصاد ذي العائد السريع على العاملين فيه، وخلال الأعوام الفائتة قامت الدولة بالتدخل في هذه السوق، حيث أصبحنا نرى في الفنادق والمقاهي والورش وغيرها من المؤسسات أبناءنا السعوديين يعملون بجد وكفاءة لا تقل بأي حال عن سابقيهم من المقيمين. لكن تظل الرغبة ملحة في الاستفادة من هذه الوظائف لصالح أبناء الوطن، وهذا يترتب عليه وضع خطة يشارك فيها كافة قطاعات الدولة سواء التعليم أو المؤسسات الإصلاحية أو مصلحة السجون أو دور رعاية الأيتام وغيرها من الهيئات والمؤسسات المعنية التي يمكن أن يشكل أبناؤها رافداً مهماًً لسوق العمل في هذه الوظائف بحيث يمكن خلال فترة وجيزة من التدريب والتهيئة لهؤلاء الأبناء أن يشغلوا هذه الوظائف بكفاءة عالية، ولا مانع أن يظل المقيمون العاملون فيها موجودين جنباً على جنب أبناء الوطن حتى اكتساب الخبرات اللازمة، بل يمكن الاستفادة منهم في التدريب المباشر لهؤلاء الأبناء في المؤسسات الموجودين فيها، فهؤلاء يملكون أسرار هذه الوظائف ومفاتيحها التي لا يعلمها الأكاديميون الذين يقدمون المعرفة والمهارة للمتدرب الذي يحتاج أيضاً إلى ذوي الخبرات.
لقد آن الأوان أن نرى الحرفي السعودي يقود ميدان عمله مبدعاً- كما هو دائما - في كل مجال يوضع فيه فقط هم ينتظرون الفرصة والدعم ليظهروا للجميع قدرة وكفاءة المواطن على العمل في أي مجال، وأنه لا يقل بأي حال من الأحوال عن نظيره المقيم، وأن القول الذي يردده البعض بعدم ملائمة هذه الوظيفة أو تلك للمواطن هو من باب التأثير النفسي والتحطيم المعنوي له بحيث تظل هذه الوظائف مقصورة على المقيمين وما يتبعها من تستر واستنزاف لمقدرات الوطن والتي يتم تهريبها للخارج بطرق احتيالية عديدة ولعل التقرير الذي عرض عن منطقة البطحاء خير دليل على ذلك، مما دعا المسؤولين مطالبة الجهات المعنية بسرعة التدخل والقضاء على مثل هذه البؤر الشيطانية التي تدير الاقتصاد السري للعمالة المقيمة في المملكة.