سمر المقرن
التراث هو ما يتم الحفاظ عليه من الماضي، كذاكرة شعب يخبر عن الماضي، ويساهم في بناء المستقبل، ويخلق مفهوم الهوية، ويؤكد على الجذور والاستمرارية، يُمكن أن يكون حدثاً تاريخيا أو إبداعاً أو لوحةً فنية أو بناءً معمارياً أو أمثالاً شعبية، وكذلك في الأزياء والملابس والمجوهرات، أو يكون بأنماط مختلفة كالعلوم والطهي والهندسة والموسيقى، وهو ما يشكِّل هوية المجتمع، ويميزه عن غيره من المجتمعات. وبينما التاريخ يُعنى بدراسة الماضي بحوادثه وأحداثه كتاريخ الجنس البشري أو أصل الحضارة، فإن التراث هو كل ما ينتقل من سلف وأجيال ماضية مثل المباني والتقاليد التاريخية فلا تراث بدون تاريخ.
والتراث مستقبل وحياة، يذكِّرنا بالماضي ويصنع الحاضر ويرسِّخ الهوية، وفي السنوات الأخيرة نجد اهتماماً كبيراً بتراثنا الحضاري، بالعمل على تنميته وتطويره والحفاظ عليه، وقد تبنت وزارة الثقافة السعودية ممثلةً بهيئة التراث الجديدة، عدداً كبيراً من البرامج والمشروعات التي تُعنى بالنهوض بقطاع التراث الوطني بمكوناته الرئيسية الآثار والتراث العمراني والحرف والصناعات اليدوية والتراث اللا مادي، منظومة عمل احترافية تعزِّز رغبة المملكة في وضع تراثها على الخارطة العالمية.
وهو ما لمسته شخصياً من خلال اهتمام القنوات العالمية كناشيونال جوغرافيك وغيرها بالتراث السعودي وتخصيص برامج للحديث عنه.
لا تقتصر المشاريع التراثية والاهتمام بها على مدن أو مناطق معينة، بل تشمل كل مناطق المملكة برعاية مباركة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإطلاق مشاريع عديدة كتأكيد رسمي على اهتمام المملكة بتاريخها وتراثها كملتقى للحضارات الإنسانية.
ومنذ أيام قضيت لحظات سعيدة من عمري، وأنا أتنفّس أكسجين تراثنا في جدة، وعشت أياماً جميلةً في ضيافة عشَّاق التراث وحافظيه، ولمس شغاف قلبي مبادرة أرباب الحرف باستضافة كريمة من رئيس المبادرة عبد الله الحضيف، الذي أكد أن أرباب الحرف منذ انطلاقها عام 2016 في جدة التاريخية قد تحولت إلى حاضنة للفنانين والموهوبين والحرفيين في كافة المجالات الابتكارية، ولها تأثير جلي في الحراك الفني والثقافي، ونظمت أكثر من 600 فعالية استفاد منها أكثر من 30 ألف شخص لتتحول إلى مشروع عالمي.
ومع أرباب الحرف نشهد كثيراً من المشاريع والمبادرات المؤسساتية أو الفردية التي تمثِّل رئة المستقبل الثقافي والاقتصادي والحضاري والتراثي.
تفاعلت إنسانياً بتراثنا في جدة، وزيارتي لهذه الأماكن وقبول الدعوات يأتي بمحبة لهذه المنتجات التراثية الجميلة، وهو واجب وطني يقع على عاتقي ومسؤوليتي كإعلامية ومواطنة. والحقيقة أنني ازددت فخراً بأبناء المملكة وتراثها وتاريخها، وبأنني نبتة صغيرة شرفت باحتضانها أرض الوطن.