أحمد بن عبدالله الحسين
الموضوعية تعني دلالتها اتخاذ الحيادية الخالية من التحيز والأغراض الشخصية، وتستهدف الحقائق من خلال النظر والاستقراء بأدوات المنطق والإدراك الحسي، وبهذا تعتبر الموضوعية نضجاً وممارسة واحترافاً لا تُرضعها الشهادات مهما علت، ولا الألقاب والشهرة وما وصلت.
وتظهر في الأحكام التي تتطلبها الحياة المعيشة، تلك الأحكام مُراد فيها التوصل إلى الإنصاف والاعتدال، وتغليب العقل في التحرّي وتقليب الحقائق والتحليل. هذه الممارسة تُقرب إلى الحقيقة الواقعية القائمة بذاتها، وهي مستقلة عن حظوظ الذات والشخصنة وما يتناسب مع ميل الشعور وتفضيلاته.
ومن خصال صاحب الموضوعية امتلاكه اعتدال غرائز وضبط للاندفاعات، واستمهال ما يرى وينظر دون مؤثرات نمطية موروثه وأحكام مسبقة، بعده عن التصنيف الخالي من تحليل وإمعان، وحيادية التفكير مع القريب والبعيد والصديق والعدو.
وبعض تحديات الموضوعية يأتي من تفاعلات الواقع المادي الذي تتلاطم فيه السلوكيات والموروثات، وهي في بعضها تصبغ هشاشة وثغرات وحتى مساحة إبهام واحتمالات وافتراضات، وتأرجح الربط بين الأشياء واستنباطاتها، وكذلك النظر الموضوعي يجابه تحدي جبرية عقل وغرائز لا تخلو من خلل يعيق التجرّد في فهم طبيعة الأشياء وأحكامها.
ولهذا الموضوعية؛ قد تتلوّن وتتباين زواياها من شخص إلى آخر، وغلبة التحديات لها قد تُوقّع البعض عدم بلوغ كمالية التصنيف بين الخير والشر وبين الحب والكره.
والتسطيح آفة في التفكير والتحليل تُبعد عن النظر المتوازن للأشياء المُختلف فيها، ومن التسطيح أحياناً أن تكون خبيراً بنصف الحقيقة وتظن أنك تملك كامل الدراية بإطلاق الأحكام وأنت لم تبلغها. ولا غرو أن هذا فيه اندساس قلّة ورع واستخفاف بالعقول.
واستهداف مفهوم الموضوعية يحتاج إلى نهج وتعليم ووعي، تشترك فيه أدوات تتنوَّع ضمن مناهج الدراسة والإعلام والتربية المجتمعية، ليمتد ويتوالى أثرها في أجيالنا ونُخبنا وكُتابنا ومنابرنا. ولا شك أن حصولها يتسق مع الاعتدال والأخلاق والقيم.
وهنالك من يقول إن الموضوعية تأخذ أثرها في الإنسان؛ إذا تنوّع عنده الاطلاع المعرفي دونما قيد أو حكم مسبق، وعرف الترحال في الأمصار والخبرة بأحوال الديار فاتسعت مداركه، وأبصر أحوال الناس وموروثاتهم التي يُثمّن فيها التنوع والاختلاف في هذه الحياة بعيدة عن التصورات الخاطئة وتقزيم الآخرين.
كلُّ هذا سبيل مأمول ليتأتى نضج في بناء توازن الأفهام واعتدال الغرائز.