الكَرَم لغةً: ضدُّ اللُّؤْم
الكَرَم اصطلاحًا: قال الجرجاني: (الكَرَم: هو الإعطاء بسهولة).
ولقد عرف بهذا الشيء عدد من الناس في الجاهلية والإسلام، وممن عرف في الجاهلية حاتم الطائي القحطاني يضرب به المثل في الكرم، ثم أتى الإسلام وحث على هذه الخصلة، وهو من صفات الأنبياء -عليهم السلام- قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) «69 هود» أي: ذهب سريعا، فأتاهم بالضيافة، وهو عجل: فتى البقر، حنيذ: (وهو) مشوي (شيا ناضجا) على الرضف، وهي الحجارة المحماة.
قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفاً). رواه البخاري (1374) ومسلم (1010).
وكان -صلى الله عليه وسلم- من أكرم الناس، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود من الريح المرسلة) رواه البخاري.
وقد اشتهر بهذا الشيء في الصحابة ومن بعدهم الكثير ومنهم: أ- سعد بن عبادة بن دليم -رضي الله عنه- سيد الخزرج كان مشهورا بالجود هو وأبوه وجده، وكان لهم أطم ينادى عليه كل يوم من أحب الشحم واللحم فليأت اطم دليم بن حارثة، وكان ينطلق بثمانين من أهل الصفة. توفي في الشام سنة خمس عشرة وقيل ست عشرة رضي الله عنه.
ب- عبدالله بن جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكان يقال له قطب السخاء، ومن قصصه جلب أحد التجار سكرا إلى المدينة فكسد عليه فبلغ عبدالله فأمر قهرمانه أن يشتريه وينهبه (يعطيه) الناس.
ج- عرابة ابن أوس -رضي الله عنه- يقول الشماخ:
إذا ماراية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
ح- قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- يقول ابن سيرين كان قيس ينادى على أطمه: من أحب شحماًولحماً فليأت ثم أدركت ابنه مثل ذلك.
وليعلم القارئ الكريم أن الكرم ليس مرتبطا بكثرة المال فجدي علي بن صالح أبا الخيل -رحمه الله- كان كريما على قلة ذات وكذلك عمي حمود بن سليمان أباالخيل (جد معالي الشيخ سليمان) وكذالك عمي عبدالله بن صالح أباالخيل رئيس هيئة الروضة -رحمه الله- وبعد هذه المقدمة عن أحد الأجزاء المهمة في شخصية معالي الشيخ ناصر -رحمه الله- وهي الكرم سنتكلم عن بعض سيرته.
اسمه: الشيخ ناصر بن الشيخ عبدالعزيز (ابوحبيب) ت: 1387هـ بن محمد بن عبدالعزيز بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن محمد الشثري من قحطان.
ولد الشيخ في الرين 1347هـ حينما كان والده قاضي الرين وهو من أشهر من تولى القضاء فيها، والدته بدرية العريفي هو واللواء طيار عبدالله وأسرة العريفي من الأسر التي عرفت بحسن الخلق والكرم بشكل عام، وأذكر أن أحد من زار الشيخ قال له كنا عند فلان العريفي وأكرمنا قال هذا خالي، وكما قيل الشيء من معدنه لا يستغرب، فالشيخ والده كريم وأخواله كرام ونشأ في كنف والده فضيلة الشيخ المحتسب الشجاع الذي لا يخاف في الله لومة لائم، ويحكى عنه أشياء تحسبها من الخيال من قوته سواء في مجلس القضاء أو حينما سكن الرياض للتدريس في المعهد العلمي، وأتمنى من شقيقه اللواء طيار عبدالله وابنه الحبيب معالي الشيخ د. سعد والدكتور محمد ذكر مواقف ابوحبيب الشيخ عبدالعزيز، وكما قيل إن السر إذا مضى عليه أربعون سنة ليس سرا.
فحفظ الشيخ ناصر القرآن وكان يقره كثير فالقرآن أساس العلوم.
أعماله: 1373هـ إلى 1381هـ مدرس بالمعهد العلمي.
1381هـ إلى 1399هـ الشؤون الدينية في الحرس الوطني.
1399هـ إلى وفاته مستشارا في الديوان الملكي.
شيوخه: أخذ أكثر العلوم عن والده ودرسه في المعهد والكلية سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز.
والشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي والشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي والشيخ العلامة عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد.
طلابه: كثير ومن أشهرهم فضيلة الشيخ العلامة عبدالله ابن جبرين.
الكرم: الشيخ كريم ولا يتكلف الكرم فهو سجية فيه ويدعو الجميع وكم دعاني الشيخ إلى العشاء والغداء إلى قبل مرضه الأخير ووفاته ودعاني ابنه معالي الشيخ سعد، وكذلك ابنه د. محمد وأخوه اللواء طيار عبدالله، فهي أسرة كرم أبا عن جد.
التواضع: أذكر في إحدى المرات في مجلس منزله الواقع في حي المعذر الشمالي والمجلس فيه الكثير من الناس قال تعال اجلس جنبي وأنا صغير في السن والمنصب وهو مستشار الملوك.
الحلم: أذكر أنه كانت قضية قصاص ثم حصل عفو فطلب من عفا من معالي الشيخ ناصر طلبا ولكن بلغة هجومية وبلا أدب وبصوت عال، وكنت أنتظر ردة فعل الشيخ، ولكن الشيخ وبحلمه نفذ طلبهم بدون أن يتكلم عليه فكان درسا لي في الحلم.
الشهامة: كان لا يذهب إلى الدوام إلا وقد غصت سيارته بالناس، وكل شخص يقول عندي معاملة ولا أعلم عنها يقول بكرا الصباح اركب معنا.
الحرص على الدين: أذكر صليت معه مرة في المزرعة، وكان معنا شخص يعرف عنه ليس حريصا على السنة الراتبة فقال له تسنن.
وأذكر أن ابنه الحبيب الأستاذ خالد دعا أحد رجال الأعمال في ذلك البلد فقال الشيخ ناصر عسى ما عندكم بدع.
وفاته: توفي -رحمه الله- في 1442/10/29هـ بعد معاناة من المرض خصوصًا من غسيل الكلى أسأل الله أن يرفع درجته في الجنة إنه غفور رحيم.
شعره: كان يشعر بالفصحى والعامية ومن قصائده قصيدة رثاء في أخيه سعد الذي كان مسؤولا عن شؤونه الخاصة:
طار الكرى ومضجع النوم ما طاب
والقلب عقب أخوي أصبح حزيني
طار الكرى وكل شيء له أسباب
واللي كتب لي في جبيني يجيني
عشنا شباب ومات من عقب ما شاب
ستين عام مع زيادة سنيني
دمعة على خدي من العين تنساب
تبكي عضيد لي شقيقي قريني
القلب والله من عقب أخوي منصاب
ماحب أحد يا ناس يسمع ونيني
أتجلد عند الرفاقة والأحباب
وأدافع العبرة خايف أنها تبيني
يا ونتي ونة مريض مع أجناب
والآ خلوج قدبراها الحنيني
على كريم لذته فتحة الباب
تسابقت يسراه هي واليميني
يفرح إليا شاف الرفاقة والأحباب
قدم اكباش مع قعود سميني
يالله ياللي من ترجاي ما خاب
تجبر عزانا يالرحيم الحنوني.
** **
- عبدالرحمن أبا الخيل