العلاقات الاجتماعية في حياة الإنسان مهمَّة جدّاً فهي تضفي البهجة والسعادة وتعمل على صقل شخصيَّة الإنسان وحسن تعامله مع الآخرين، وتضفي أيضاً إلى تحسين نوعية الحياة التي يعيشها وأثرها الإيجابي الكبير لصحَّته العقليَّة والاجتماعية والبدنية والعمل على تقليل الشعور بالتعاسة، كما أنَّها تزيد من ثقته بنفسه وتجعله يقدِّرها أكثر ممَّا يعينه على تحقيق أهدافه في المستقبل، فالإنسان كائن اجتماعي بطبيعته لا يستطيع أن ينمو بطريقة سليمة إذا عاش في عزلة عن محيطه الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية الناجحة تجلب الشعور بالارتياح عند الإنسان تجاه نفسه وتجاه علاقاته المتنوِّعة سواء كانت علاقات في دائرة العمل، أو في المجتمع ككل أو علاقاته العاطفية، والذي يكدِّر صفو الحياة ويفسدها ويؤدي إلى المشاكل والعواقب الوخيمة عندما يخالط سوء الفهم العلاقات الاجتماعية تلك! فسوء الفهم يعني: عدم قدرة أحد الأفراد على فهم الأمور على الوجه الصحيح وتَأْوِيله لأَمْر أو فِعْل أو قَوْل على غير حقيقته فيُساء الفهم وحتماً سينتج عن ذلك الكثير من المشاكل والبلايا، ومنها قطع للأرحام وإنهاء العلاقة بين الأصدقاء وإظهار العداوات بين الزملاء والجيران، وكل ذلك بسبب حمل الكلام أو الأفعال على أسوأ المحامل مع إمكانية حملها على محمل حسن، ولا أدل على خطورة مثل هذا وبليغ أثره السيئ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابيين اللذَين رأياه مع صفيَّة في الليل: ((على رسلكما إنها صفيَّة))، فخاف عليهما من سوء الفَهْم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بادرهما بنفسه بالتوضيح لكي لا يكون هناك أي من الشكوك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة في عدم التسرع في الحكم على أفعال الناس وتصرفاتهم لأنه إيذاء يتبعه ندم، هكذا كان دأب السلف -رضي الله عنهم- بعدم الظن السيء ومحاولة التماس الأعذار لكي لا يحملوا الأوزار على ظهورهم يوم القيامة، وقد وجَّه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا (النور:12) والمبادرة في النقاش بنيّه صادقة لتحرّي الحقيقة لأي موقف يحدث لأي من الأشخاص سوف تتضح من خلاله الحقيقة خلاف ما قيل، فحُسن الفهم هو حُسن التعرّف على حقيقة موقف الطرف الآخر أي «من مصدره»، يقول أحد الحكماء: «رأس الأدب كله حسن الفهم والتّفهم ولإصغاء للمتكلم»، ومن أسوأ ما يقابله الإنسان في حياته سوء الفهم الذي يؤدي إلى تلويث سمعته، وهو في الواقع بعيد كل البعد عن تلك النقول المغرضة الملفّقة، وعند سماع كلمة «تلويث أو تلوّث» فإنها بحد ذاتها تثير الاشمئزاز وتحتاج للكثير من الحلول والمعالجة، فعلى سبيل المثال: (تلوّث الماء) أي تكدّره بالأوساخ وغير صالح للشرب. (تلوّث البيئة) يؤثر على أنواع الحياة المختلفة ويتسبب بالعديد من النتائج السلبيّة على صحة البشر ورفاهيّتهم وتحتاج للعناية بها والحفاظ عليها. (تلويث الثَّوْبِ بِالأوْساخِ: تَلْطيخُهُ) ويحتاج إلى غسل وتنظيف. فكيف بالإنسان الذي كرَّمه الله عز وجل عن سائر الخلق وتلويث سمعته بسوء فهم وافتراء!! قال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (سورة يونس: 36).
فمن الأسباب الموقعة في الظلم والحكم على نيَّات الأشخاص من كان همَّه حب الدنيا ومتاعها والانتقام والحِقد والكِبر وإقصاء الغير، فيا من اغتررت بالدنيا ولوّثتها بسوء الظن والتهم للبعض من الناس توقف قليلاً.. انظر وتذكَّر مَن خصمك يوم القيامة إنَّه الله القوي العزيز.
- روى أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يُخرج ما قال).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال في مؤمن ما ليس فيه حُبس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال) صححه الألباني.
ردغة الخبال: هي عصارة أهل النار.