فضل بن سعد البوعينين
تسعى الدول جاهدة لتحقيق أمنها واستقرارها وحماية مقدراتها من المخاطر الداخلية والخارجية. ومن مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها حفظ الضروريات الخمس، وهي الدين، النفس، العقل، العرض، والمال، ومن المستحيل تلبية متطلباتها، وتحقيق التنمية الشاملة ورفاهية المواطنين وبناء الاقتصاد على أسس متينة ومستدامة بمعزلٍ عن الأمن والاستقرار.
وللأمن القومي أبعاد مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، البعد العسكري، الاجتماعي، والاقتصادي، غير أن البعد الإعلامي ربما كان من أهمها، والأكثر تأثيرًا في الوقت الحاضر. فخلال العقود القليلة الماضية ظهرت أهمية الإعلام كلاعب رئيس في منظومة الأمن القومي، خاصة بعد تطور وسائله وظهور ثورة الإنترنت والتطبيقات الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي، التي عززت من قدراته وتأثيره على المجتمعات، حيث باتت القوة الإعلامية موازية في تأثيرها الجيوش المجهزة بالأسلحة المتطورة، وتحولت إلى أداة لإثارة الشعوب، وتوجيهها وتجييشها لتدمير مجتمعاتها وأوطانها، ولنا في أحداث ما سمي بالربيع العربي ونتائجه المدمرة الدليل القاطع. فالإعلام هو حربة المنظومتين، الدفاعية والهجومية، المحققة لمتطلبات الأمن القومي، وهو ما يستحق العناية الفائقة من واضعي الإستراتيجيات الأمنية، وما يستوجب التعامل معه بسخاء واحترافية وإستراتيجية وطنية موحدة تُسَخَّر لتحقيق الأمن والاستقرار ومواجهة المخاطر الداخلية والخارجية.
معالي وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي تحدث عن أهمية الإعلام خلال زيارته الأخيرة لمصر، وأكد أن «الملف الإعلامي بات في صلب الأمن القومي للدول والمنظمات» وهو تصريح ينم عن إحاطة شاملة بقوة التأثير الإعلامي، وأهميته لتحقيق الأمن القومي، وحماية الدول من المخاطر الخارجية والداخلية. يُعد الدكتور القصبي من رجالات الدولة وأعمدة التحول الحكومي وممن يحملون ملفات إعادة الهيكلة والإصلاحات العميقة في الوزارات المستهدفة ومنها وزارة الإعلام الأكثر حاجة للإصلاحات الشاملة لمعالجة تحدياتها الأزلية، وبناء توجهاتها المستقبلية وفق رؤية المملكة 2030. قد تكون إستراتيجية توزيع المهام الإعلامية على الهيئات الشقيقة المشكلة للمنظومة الإعلامية المحلية، وتمكينها من خطط الإصلاح الرئيسة، وأداء مهامها بكفاءة واستقلاية واستدامة، وجعل الوزارة أكثر رشاقة ومعالجة ترهلها المؤثر سلباً على الأداء، من الأولويات، غير أن وضع الإستراتيجية الإعلامية المنبثقة عن إستراتيجية الأمن القومي يجب أن يكون في المقدمة، ويحظى بالأولوية المطلقة، وهو مشروع دولة أكثر من كونه مشروع لوزارة الإعلام، وأحسب أن الرؤية المستقبلية قد أخذت في اعتبارها هذا التوجه عطفاً على تكليف الوزير القصبي بمهام الإعلام.
تمثل الإستراتيجية الإعلامية المظلة الشاملة للمخرجات الإعلامية المُشَكِلة للسياسات الإعلامية، والمحددة لأطر عمل الهيئات والوزارات ووسائل الإعلام، إضافة إلى صناعة المحتوى والدراما السعودية التي يفترض أن تشكل منظومة البناء الوطني والحماية الداخلية وتعزيز القوة ورسم الصورة المشرقة للمملكة خارجياً. وبالتالي فإن تحقيق الأمن القومي يتطلب إعلاماً قوياً ومؤثراً، بوسائله التقليدية والحديثة، يعمل وفق سياسة منضبطة تحكمها الإستراتيجية العامة التي يفترض ألا يرتبط خلقها وتوجيهها وتنفيذها بمحترفي الإعلام فحسب، بل وبجهات أعلى تجمع بين البعد القيادي، الأمني، والاستخباراتي، والإعلامي، وتستثمر الكفاءات الإعلامية لتحقيق الأهداف القومية. فالمهنية الإعلامية هي القوة القادرة على إدارة وسائل الإعلام وصناعة المحتوى وإيصال رسائلها باحترافية، في الوقت الذي يسهم فيه الحس الأمني والقيادي على توجيه مخرجات المنظومة الإعلامية لتحقيق متطلبات الأمن القومي والأهداف الوطنية. الشراكة بين المهنية الإعلامية والبعد الاستخباراتي الأمني يمكن أن يصنع المحتوى الأمثل المحقق لمتطلبات الأمن والمعزز لاستقرار الوطن وحماية مكوناته البشرية ومقوماته الاقتصادية، وأن يراعي القواعد المهنية والوطنية واحترام الثوابت الدينية والحفاظ على الهوية ونشر المعرفة وتشكيل الوعي وتحصين المجتمع وحمايته من المخاطر.