د.جيرار ديب
يحدد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، ثعلب الدبلوماسية، هنري كيسنجر مفهوم الأزمة بأنها «مجرد عارض لوصول مشكلة ما إلى المرحلة السابقة مباشرة قبل الانفجار، ما يقتضي المبادرة بحلها قبل أن تتفاقم عواقبها».
يشير هذا التعريف، الصادر عن أحد أبرز المفكرين الإستراتيجيين الأميركيين، إلى جملة من العناصر التي تعكس وجهة نظر بارزة للمفهوم الأميركي حول الأزمة وكيفية إدارتها. هذا ما لا يعرفه المسؤول في لبنان، الذي لم يزل يتخبّط في أزمة تشكيل حكومة إنقاذية قادرة على إعادة ثقة المجتمع الدولي، لدعمه، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج الأزمات والغرق أكثر في مستنقع الفوضى المنتظرة.
إن مفهوم إدارة الأزمة لا وجود له في قاموس السياسي اللبناني، إذ إنه لا يدير الأزمات بقدر ما يسعى لإيجاد حل للمشكلات انطلاقًا من ما يناسب مصالحه. هذا ما يبرر عدم المقدرة على تشكيل الحكومة إلى يومنا هذا، بعد عشرة أشهر على استقالة حكومة حسان دياب. لذا يبقى السؤال، كيف سيخرج لبنان من أزمة تشكيل الحكومة، بعد فشل مسؤوليه بإدارة هذه الأزمة؟
ترتبط أزمة لبنان في تشكيل الحكومة، بنظامه الطائفي القائم على المحاصصة والمناصفة في التوظيفات والتعيينات. فمنذ تأسيس هذا الكيان، على يد الجنرال الفرنسي غورو عام 1920 في قصر الصنوبر إلى اليوم، والأزمة الوجودية الطائفية لم تدر بالطريقة الصحيحة. لذا لم يزل هذا البلد غارقًا بأزماته، بين التوزيع الطائفي وامتهان سياسييه دور الارتهان إلى الخارج لأجل تكريس زعاماتهم على حساب الوطن.
يعيش اللبناني اليوم على وقع أزمات معيشية متوالية، فطرقات لبنان تشهد زحمة جنونية، بسبب طوابير السيارات على محطات المحروقات، إذ لم تنفرج أزمة المحروقات كما كان متوقعًا، بل على العكس فقد ازدادت سوءًا. كما يعاني قطاعه الصحي من احتضار بسبب هجرة أطبائه وممرضيه، إضافة إلى نقص حاد في الأدوات الطبية، بسبب احتكار الشركات الكبرى للأدوية المدعومة وتخبئتها في المستودعات بغية تهريبها إلى الخارج، أو بيعها في السوق السوداء، لتحقيق أرباح عالية.
باختصار، لا يوجد قطاع في لبنان لا يعيش أزماته، حتى القطاع المصرفي الذي كان العمود الفقري لاقتصاد لبنان الريعي، بات ينازع من أجل البقاء؛ فعلى ما يبدو ذاهبون إلى جنهم لا محالة. كيف لا، وكلما فكّت عقدة أمام تشكيل الحكومة، خلقت عقد جديدة، أشدّ تعقيدًا من سابقاتها، وكان آخرها من سيسمي الوزيرين المسيحيين، هل هو رئيس البلاد، أم الرئيس المكلف، أم البطريرك بشارة الراعي الذي رفض هذه المهمة؟
يرى المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، في تصريح له في جريدة واشنطن بوست أنه يجب البدء بتشكيل حكومة في لبنان ويبدو أن لا نية لذلك والبلاد اقتربت من الانهيار المحتم، والإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، أطلقت حملة عقوبات على الفساد لمكافحته وآمل أن تفرض على قادة فاسدين في لبنان.
الملفت في تصريح شينكر، أنه يدرك أن لا نية للبناني بمعالجة الأزمات، فأزمة تشكيل الحكومة الإنقاذية لم تزل عالقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، أي بين إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على المشاركة في تسمية الوزراء، وبين رفض الرئيس المكلف سعد الحريري انطلاقًا من تحصّنه بالمواد الدستورية في ما خص تشكيل الحكومات.
قد لا يكون الموضوع متوقفًا على النوايا، لأن الأزمات جميعها ليست وليدة الصدفة، بل هي وليدة أزمة حكم في لبنان. لم يعتد اللبناني على إدارة أزماته، بل على تقديم الحلول المؤقتة، تحت شعار المصالح الذاتية تتغلب على المصلحة العامة. يرى فريق رئيس الجمهورية أن حليفه الأساسي حزب الله يفضل مصالح الطائفة الشيعية، من خلال الوقوف على خاطر رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعدم دعم العهد في حرب مكافحة الفساد. بالمقابل فإن فريق سعد الحريري، يعتبر أن الرئيس عون يريد الاستئثار وحيدًا في حكم البلاد وهذا ما لن يحصل.
إذًا، المشكلة في تشكيل الحكومة ليست في تفسير الدستور، بل هي أزمة وجودية، لم تدر كما يجب من قبل أفرقاء يعيشون حالة انقسام عمودي.
الأزمة اللبنانية تزداد تأزمًا بعدما فجر سجال بيانات الردود بين عون وبري كل ما كان مخفيًا في القلوب ومعلومًا من جميع المتابعين للاتصالات الحكومية، هذا ما أوجد قطيعة بينهما. إلا أن السؤال، هل هي قطيعة نهائية أم مدخل لحل على طريقة الترقيع اللبنانية، أم توجهًا نحو عقد اجتماعي لإدارة الأزمات على قاعدة طرح تعديل جدي للنظام الطائفي المهترئ.