محمد بن عبدالله آل شملان
كثيرة هي الأوجاع في حياتنا ومتعبة هي الآلام التي يمر بها الإنسان في مسيرة حياته، الذي لا يعرف إلى كم من الأعوام ستمتد، ولكن يظل وجع وألم واحد من الصعوبة بمكان معالجته، ألا وهو ألم الفقد والموت، هو ألم يعتصرك من الداخل، ولا تعرف كيف يمكنك التعبير أو التنفيس عمَّا يجول بخاطرك من أحاسيس ومشاعر، تتخالط معها ذكرياتك الماضية بمن عاشوا في محيطك أو حولك، وذقت معهم هناء الحياة الدنيا وقسوتها.
في هذه الحياة.. هناك من يفقد الوالدين، وهناك من يفقد الأبناء، وهناك أيضاً من يفقد القريب والصديق والحبيب والجار وحتى العدو، وتحس مع ذلك معها بلا استثناء بشعور الألم ولوعة الفقد ومرارة الفراق، وصعوبة إصلاح ما حصل في حياة الفقيد من أحداث أو مواقف أو لحظات كنت قاسياً خلالها في موقف أو حدث ما، أو حتى اضطرابك بالتوافه من الأمور عمّن تحب وتهوى، لتأتي بعدها إرادة الله تعالى ومشيئته وقدره، أن يرحل ويجعلك في حالة من الذهول، تشعر بعدم التصديق لخبر رحيل، ورافضاً فكرة عدم وجوده أو اللقاء به.
هي محطات يعيشها الإنسان في حياته إلى أن يصل لمرحلة من المراحل أن يكون هو ذاك الفقيد الذي يدعو له الأحياء، ويعيشون في حالة تمني أنهم قاموا بإصلاح علاقتهم به، أو قاموا بتجاهل سيئة أظهرها أو خطأ فعله، ولكن وقتها سيكون فات الأوان وانقضى زمنه ورحل مع رحيله الذي كتبه الله له، أذكر أنني مع رحيل كل عزيز وقريب إلى قلبي أقوم باسترجاع ذكرياته ومواقفه معي وتمر بي أحسنها وأرقاها، وكأن الخالق جلّ في علاه يزيل كل موقف شائن أو سوء احتمال بسبب طبيعة النفس البشرية التي دوماً ما ترتاب في الظن، يُذْهِب تلك الذكريات كما يُذهب الله جلَّ جلاله الذنوب ويستبدلها بالحسنات.
مؤلم جداً عندما تجد في حساب من رحل رسالة تركها في وسيلة تواصله الاجتماعي أو ورقة في بيته أو في مكتبه بالعمل وكأنه يعلم بقرب أجله، يعبّر فيها بالصفح عن كل من أساء إليه ويطلب من الأحياء الدعاء له وأن يحمل في قلوب كل من يعرفونه ما هو طيب وجميل له، ويقوم فيه بالاعتذار عن أي تقصير يمكن أن يكون قد حصل بحسن نية، ذلك بكل تأكيد هو الألم والوجع بذاتهما وعينهما، الألم والوجع الذي تركه في قلوب الأحياء والدرس الذي نستفيد من خلاله أن الحياة الدنيا قصيرة، بل وقصيرة جداً جداً، لا تستحق منا كل لحظات المقت والزعل والبغض، قصر الحياة نستفيد منها بأنه يجب علينا أن نعيشها بكل حب وتفاؤل وسيرة عطرة، حتى نجد عند الفراق من يدعو لنا، ويذكر فضائلنا إن وجدت، ويتصدق بالإنابة عنا.
رحم الله تلك الأنفس التي كانت تعيش بيننا وتحيط بنا ببشاشتها وضحكتها رغم تأثير الآلام وأوجاع المرض، رحم الله تلك الابتسامات وتلك الملامح التي لا يمكن أن تكون غائبة عن مخيلتنا، فهي من علمتنا المودة والتضحية والإخلاص والعطاء والوفاء.
ورسالتي هي رسالة الحب والأمل، فاستثمروا ما تبقى من السنين أو الأشهر أو الأيام في هذه الدنيا القصيرة في المحبة والمعايشة والتراضي، وعليكم باستثمار كل ساعة في صنع الفرحة والابتسامة، فنحن لا نعلم متى سيكون موعد رحيلنا، ومتى سيحين موعد الفراق؟!
والموت هو الحقيقة المطُلقة في الحياة، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وهو المصير الذي يسير إليه كل البشر!