د.شامان حامد
«مجتمعنا مجنون تماماً» هو ما كان عليه حال المجتمع الأمريكي مع بداية أول أزمة جعلته راسباً كاختبار حقيقي كشف قوته الداخلية. فقد تلقى مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية أنتوني فاوتشي العديد من الرسائل الإلكترونية من مشاهير ومؤثرين وأثرياء واتصالات جمّة من كبار خبراء الأمراض المعدية في أميركا عن مدى الذعر والارتباك من الوباء «SARS-CoV-2» في وقت كان فيه البيت الأبيض يقلل من أهمية المخاطر ويطالبه بتصوير تفشي المرض وفقاً لشروطه.
وقد كشفت آلاف الوثائق والرسائل الإلكترونية التي حصلت عليها «واشنطن بوست» وموقع «BuzzFeed»، مدى الضغط المتراكم الذي تعرض له فاوتشي، وأن أميركا هي الدولة الأكثر تضرراً في العالم، وكم الفوضى الذي كان سائداً في ذلك الوقت، وبخاصة رسائل «الأشخاص المجانين في هذا العالم»، ممن سيّسوا الأزمة، وسط رسائل تهديدات من المتطرفين والمنتقدين، ما اضطره للإجابة بالقول «سوف يذهل عقلك (..) مجتمعنا مجنون تماماً حقاً».
وعلى الرغم من توفر اللقاحات المضادة للفيروس، فإن أمام الولايات المتحدة مهمة صعبة للغاية، تكمن بإقناع الناس بأخذ اللقاح.. الذي سيحتاج المجتمع لتلقيه من حوالي 75 % إلى 80 % من السكان في أميركا للوصول إلى مناعة القطيع بنهاية الربع الثاني من أوائل العام القادم، أي في أواخر فصل الربيع أو في بدايات فصل الصيف، ولكن بشرط إقناع الناس بالحصول على اللقاح، في وقت تداعت الأحداث فيه من تحذير عالم أوبئة أميركي من أنه «سيكون هناك كوفيد -26 وكوفيد -32 ما لم نفهم تمامًا أصول كوفيد -19» من منبعه بووهان الصيني، التي كشفت دراسة جديدة بل تقرير استخباراتي أميركي أن ثلاثة باحثين في مختبر ووهان للأبحاث في الصين سعوا للحصول على الرعاية الصحية في مستشفى في نوفمبر 2019، أي قبل إقرار بكين بوجود المرض وكشف أول حالة، ووضعت العالم في استعداد لمعرفة إجابات شافية حول ذلك، وفهم أعمق لكيفية ظهور فيروس أودى بحياة أكثر من 3.5 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، لكن ذلك يقتضي دراسات وبعثات عديدة قبل التوصّل إلى استنتاج نهائي.
إن الحل الأفضل هو إخراج هذا الموضوع من دائرة التجاذبات السياسية وإفساح المجال أمام العلماء لاستخلاص العبر التي تساعدنا في عدم الوقوع بالأخطاء نفسها عند مواجهة جائحات أخرى في المستقبل، وضرورة تقاسم المعارف وبراءات العلاج واللقاحات كما نادت به منظمة الصحة في الذكرى السنوية الأولى لإطلاق برنامج C-TAP تيسيراً لحصول الدول النامية والفقيرة على المستلزمات الصحية والطبية اللازمة لمكافحة الوباء.