م. بدر بن ناصر الحمدان
في رحلة الحياة، وأنت في خضم العيش وعنفوانه، وفي أوج صوره، يحدث أن تتوقف قسراً ذات يوم، حين يشاء الله أن يُحدث تغييراً جذرياً بداخلك، ويُخضعك لخوض تجربة صعبة، تضعك أحداثها في مواجهة مباشرة مع ذاتك، لتقييم علاقتك مع الله أولاً وقبل كل شيء، والى أي مدى يمكنك استثمارها لتجاوز هذا الامتحان العسير دون تحضير أو استعداد مُسبق، ولتجد نفسك في لحظات حرجة، وأمام مفترق طرق، لا خيار أمامك سوى اللجوء إلى من {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
مثل هذه التجربة مهما كانت طبيعتها، سوف تنتقل بك إلى مرحلة أكثر جدية ونضجاً، تمكنك من بناء تلك العلاقة مع الله من جديد، ستكتشف حينها قراءة مختلفة للحياة، ونظرة ذات بُعد آخر لم تعهده من قبل، يختلف تماماً عما كنت عليه، ستعرف عن قرب أن ثمة أشياء كثيرة في حياتك بحاجة ملحة إلى مراجعة، وإعادة تقييم، وإصلاح، وبرمجة لقائمة الأولويات، بل وإلى اتخاذ قرارات لتعديل مسارات لم تكن في الاتجاه الصحيح.
الحقيقة التي سوف تصل اليها هي أن الطريق إلى الله هو المنفذ الوحيد ونقطة الانطلاق لكل الوجهات في حياتك أياً كانت أبعادها وتحدياتها ومبتغاها، ولا شيء غير ذلك، مهما كانت الثقافة التي كنت تؤمن بها، أو المبادئ التي تعتنقها، حتماً ستتغير كل قناعاتك وأفكارك التي لم تُبن في جلّها على مرجعية مرتبطة بالله، وستكون أنت أكثر شجاعة لتغييرها والتخلي عنها والندم عليها استجابة للطبيعة الإنسانية التي فطرك الله عليها، وتقديراً لما ستقف عليه من حقائق برهنتها أو ستبرهنها لك الأيام طال الزمان أم قصر.
حينما يمنحك الله فرصة أخرى من فصول الحياة، عليك أن تتشبث بها، وتستثمرها بكل تفاصيلها من أجل استعادة الفرص الضائعة، والعثور على الطرق المفقودة، وتعويض ما فات من الرحلة، ربما لأنها قد لا تتكرر مرّة أخرى، وربما لأن الزمن الذي يفصلك عن خط النهاية قد لا يُمهلك كثيراً، تذكّر جيداً أنه لا شيء على هذه الأرض يستحق الاهتمام سوى تلك «المسافة» التي بينك وبين الله.