د.عبدالله بن موسى الطاير
خرج الولي الفقيه علي خامنئي في حديث للشعب الإيراني يحثهم على التوجه لصناديق الانتخابات الرئاسية في عملية استباقية لما أُعلن عنه من مقاطعات واسعة للانتخابات الرئاسية. اللغة الموتورة التي استخدمها، والهجوم الذي شنه على جيرانه من «الأعداء» يكشف الستر عن الحرج الذي يواجه النظام في الداخل، وهروبه إلى تحميل الخارج المسؤولية، واستجداء الشعب الإيراني للذهاب إلى مراكز الاقتراع للدفاع عن شرعية النظام 48.8 % ممن يحق لهم التصويت (وهي الأقل على الإطلاق في تاريخ الانتخابات الرئاسية)، وفاز إبراهيم رئيسي بما مجموعه نحو 17.8 مليون صوت متخلفاً في عدد الأصوات عن خاتمي، ونجاد وروحاني.
خامنئي لم ينس وهو يستجدي الناخبين أن يستحضر النكتة السياسية ليصف جيران إيران بأنهم لا يفرقون بين صناديق الاقتراع وصناديق الفاكهة. لقد دأبت مؤسسة ولي الفقيه على خداع شعبها والعالم بصناديق اقتراع مفاتيحها بيد المرشد الأعلى، وحرسه الثوري وأجهزته الأمنية. ربما في مرحلة من المراحل صدّق البعض أن في إيران انتخابات، لكن مع مرور الوقت تكشفت الحقائق التي تؤكد أن إيران يحكمها ولي الفقيه ويدير اللعبة بقرار فردي لا يملك أحد معارضته، وهو يخول الصلاحيات لمن يريد سواء بالتفويض المباشر كما هو الحال مع قادة الحرس الثوري وأجهزته الأمنية المختلفة، أو من خلال استخدام الانتخابات لتفويض من يرضى عنه لإدارة شؤون الدولة وتجميل صورتها في الخارج، ووصل السأم بالإيرانيين من هذه الخداع إلى عدم التمييز بين صندوق الاقتراع وعمامة المرشد الأعلى.
المحزن هو أن الدوائر الأمريكية والأوربية تسابق الزمن لإبرام صفقة النووي مع إيران قبل تسلم الحكومة القادمة مهامها في أغسطس 2021م وكأن الحكومة المنتخبة ستخرج على إرادة ولي الفقيه. أحياناً نعتقد بأن تلك الرسائل ليست سوى تعبير عن الجهل التراكمي بحقيقة النظام في طهران، وأحيانا أخرى نذهب إلى التصديق بأنهم، وبطريقة ممنهجة يعملون على تجميل النظام وتسويقه إلى الرأي العام في دولهم على أنه ديمقراطي يحتكم لصناديق الانتخابات؛ وبالتالي تعزيز المشتركات القيمية معه في أهم أدوات العملية الديمقراطية وهي الانتخابات.
وباستثناء علي خامنئي ثالث رئيس لإيران، فإن أبناء النظام البررة الذين تم إيصالهم لكرسي الرئاسة عن طريق الانتخابات نقموا على ولاية الفقيه بعد اكتشافهم أنهم ليسوا سوى دمى يحركهم المرشد الأعلى والأجهزة المرتبطة به. هاشمي رفسنجاني، محمد حسن خاتمي، أحمدي نجاد، وحسن روحاني، جميعهم، وبدرجات متفاوتة، وجهوا نقداً للحكومة الموازية ذات اليد العليا التي تدير شؤون إيران الداخلية والخارجية، وتحصر مسؤولية الرؤساء المنتخبين من الشعب في امتصاص السخط الداخلي، وتلميع صورة النظام في الخارج، وهذه الانتخابات ليست استثناء.
انتخاب إبراهيم رئيسي، الذي يخضع للعقوبات الأمريكية، رئيسا لإيران، سيكون له أصداء محلية ودولية كبيرة. وفي محاولته لتسويق نفسه لا يستبعد أن يستخدم رصيده عند التيارات المتشددة ليعمل على عزل الولي الفقيه المعتل علي خامنئي، وجمع ولاية الفقيه والرئاسة في مؤسسة واحدة. فإن لم يستطع ذلك فإنه لن يكون طيّعا لمؤسسة المرشد، خاصة وأنه المرشح الأوفر حظا لخلافة خامنئي في حالة وفاته أو عجزه. وهو على نحو أو آخر يكرر تجربة خامنئي الذي تولى رئاسة إيران ومنها إلى منصب الولي الفقيه خلفا للخميني.
التطهر من ماضيه المشين هو السبيل الوحيد لإعادة تقديم نفسه للداخل الإيراني والمجتمع الدولي، ويتحقق بإعمال إصلاحات جذرية في نظام الحكم، وبقدر بشاعة ماضيه، فإنه قادر على إحداث التغيير في بنية النظام الحاكم، ولذلك فإن انتخابه لن يكون كله شراً على إيران والمنطقة، بل قد يكون بداية مراجعة حقيقية لشرعية النظام ومشروعه على حد سواء.
من سبقه من الرؤساء اعترفوا بعجزهم في آخر أيام حكمهم، أو بعد انتهاء فترات رئاستهم. فالرئيس السادس للجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد يردد هذه الأيام أن ثروات إيران أنفقت على مغامرات النظام في الخارج، وهو عندما يقول ذلك يبرئ نفسه من وزر السياسة الخارجية كرئيس منتخب؛ ومعه كل الحق. فالرئيس الإيراني لا يملك قرار الشؤون الخارجية سواء السياسي أو العملياتي، فهي قرارات بيد الولي الفقيه حصراً. ولا أظن إبراهيم رئيسي إلا مدركاً لهذا الأمر فهو ينتمي للتيار المتشدد ذاته الذي ينتمي إليه نجاد.
لا جديد تحمله الانتخابات الرئاسية قبل أن يكشف الرئيس المنتخب عن قدرته على مواجهة مؤسسة الولي الفقيه. بدون ذلك سيكون مجرد رقم ثامن في قائمة الرؤساء الدمى التي وضعت في سدة الرئاسة لخدمة المرشد الأعلى وفريقه منذ قيام الثورة.