عمر إبراهيم الرشيد
أكتب هذه المرة عن موضوع يهم الجميع بلا جدال، وأحسب أن مجتمعنا يشكو من بعض جوانبه منذ عقود عديدة، ولكن الاستجابة من الجهات المعنية جد بطيئة، ذلكم هو تنظيم المقابر ومسائل الدفن وتنظيم القبور نفسها، كرامة لأصحابها وتلك الأماكن الصامتة. بدءاً أطرح تساؤلاً في تعجب، وهو هل يحرم دفن الموتى بعد صلاة المغرب في فصل الصيف، ونعلم كم تصل درجة الحرارة لدينا في ذروة القيظ والهجير!، ولا يحير الجواب إذا استرجعنا وقت دفن صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم وهو الذي دفن بعد المغرب، وكذلك عمر رضي الله عنه، وهذان مثلان للاستدلال فقط على صحة ما أقول متعجباً من تكلفنا في مسألة كهذه بل وفي مسائل عديدة من حياتنا بشكل عام!
وليس عليكم إلا استرجاع أوقات عزاء ودفن في المقبرة بعد الظهر أو العصر، والنظر إلى ذوي المتوفى وكبار السن منهم ومن المعزين، حيث لا مظلات تقيهم لهيب الشمس، واختلاط بين المعزين حول القبور حيث يكون هناك عدة جنائز في نفس الوقت، فتجد الذي يبحث عن المتوفى الفلاني فلا يجده إلا بعد مشقة في البحث والسعي بين الناس يسأل وينظر في الوجوه، فلا لافتات يكتب عليها اسم المتوفى تيسيراً للمعزين. ثم هناك مسألة أرقت ولا تزال تؤرق مجتمعنا لعقود من الزمن، وهي كتابة اسم صاحب القبر، وإن كان سبب المنع من قبل هو أن لا يقصر الزائر سلامه ودعاءه على قريبه دون سائر القبور، فهذه دعوى يمكن التعامل معها عبر النصح والتوجيه دون وصاية، حيث هناك لوحة كبيرة في مدخل كل مقبرة مكتوب عليها دعاء الزيارة تذكيراً للزائرين وهذا مما يحسب للبلديات، لذلك لا ينبغي لهذه العلة أن تدفع البعض إلى منع كتابة اسم صاحب القبر على قطعة رخام وبخط واضح محفور، دون رفع أو مبالغة في حجمها أو ارتفاعها، وذلك حتى يتيسر للزائر إيجاد قبر قريبه من والد أو أم أو غيرهما. وأما عن تنظيم العزاء والصفوف في المقابر فحدث ولا حرج، وهذا بالطبع عائد إلى فئة من المعزين لا جميعهم، إضافة إلى عدم وجود مظلات وبممرات متوازية محكومة بسياج كما في المطارات أو المراكز الحكومية أو غيرها، وبحيث يكون بين ذوي المتوفى والمعزين كذلك حاجز منعاً للتلاصق وازعاجهم بالتقبيل أو العناق خصوصا في هذه الظروف والجائحة، بل وفي كل الأوقات حقيقة لأن ذوي المتوفى كما نعلم في وضع نفسي حساس، ويكفي الدائرة القريبة منهم ليكونوا أكثر قرباً منهم. كذلك التشجير المدروس ودوره في حماية المقابر وتلطيف أجوائها، وبالأخص حولها وعلى أسوارها، وعلى الممرات الخاصة بالسيارات التي تفصل بين أقسامها، خصوصاً تلك النوعية من الأشجار الوتدية التي لا تمد جذورها أفقياً حتى لا تصل للقبور. وبنظرة على مقابر في كثير من الدول تجد التنظيم البالغ من حسن توزيع القبور والتشجير وتنظيم اللافتات الرخامية بالأسماء وتاريخ الوفاة وغيرها من الأمور، فلم لا تكون المقابر لدينا في وضع أفضل مما هي عليه ولا أقول مطابقة لتلك التي في الخارج لعلمي أن هذا صعب تطبيقه لعدة اعتبارات ليس هذا أوان سردها. واقتراحي هو تنظيم لجنة لدراسة وضع المقابر وإعادة تنظيم شؤونها، تضم بعض علمائنا الأجلاء وممثلي الجهات الحكومية ذات الصلة، وذلك للصالح العم وكرامة للراحلين أهل تلك البقع غفر الله لهم ولوالديكم وأحبابكم وأموات المسلمين أجمعين، إلى اللقاء.