د. محمد بن صقر
الكثير يسمع ويقرأ عن مفهوم تحديد الأولويات ويقيس الأمور من وجهة نظره الشخصية والتي عادة ما تكون محددة بواقع وزمن معين وتخدم ذاته, ولكن أن يكون اتخاذ تحديد الأولويات مفهوم يندرج تحته إجراءات صعبة على المدى القصير لمنظمات ومؤسسات ومشاريع ضخمة ولكنها على المدى البعيد قد تأتي ثمارها كنتيجة حتمية جعلنا نبين أن كثيراً ممن يحددون الأولويات لمنظماتهم أو شركاتهم أو المؤسسات التي يعملون بها ينظرون للأولويات من زوايا أبعد ومفهوم أشمل ورؤية بعيدة لا تكتفي بالحلول الوقتية الخادعة التي تعتبر كسراب زائل لا محالة وخروجاً عن منهج الواقعية إلى منهج التمني، وهذا ما دفع بمدير القرن ويلش الرئيس التنفيذي لشركة جنرال الكتريك عام 1981 من تغيير في إستراتيجية الشركة وجعل قيمة السهم لديها ينتقل من كونه بأربعة دولارات إلى أن يتضاعف إلى أربع مرات، وبحلول تقاعده وصل السهم إلى 80 دولاراً وتم تصنيف الشركة على أنها أفضل الشركات الأمريكية على الإطلاق ضمن مجلة فورتش، وعندما سأل ويلش عن سبب ذلك ذكر أنه تم تطبيق معياراً واحداً على مئات المشاريع وخطوط الإنتاج التي كانت تعمل فيها الشركة والتي كانت مشاريعها تقارب 348 مشروعاً وخط إنتاج، وكان هذا المعيار متمثلاً في الإجابة على هذا التساؤل هل هذه المشاريع ستحقق الرقم الأول أو الثاني في السوق العالمية؟ بهذه المعادلة التي تم تطبيقها على سياسة الشركة قام بإلغاء جميع المشاريع التي لم تف بهذه القاعدة أو بيعها وضخ الأموال في المشاريع التي حققت هذا الرقم, هذا القانون والإستراتيجية أطلق عليها قانون الأولويات أو لعبة الأولويات والذي ذكرها جون سي ماكسويل في كتابه 21 قانون لا يقبل الجدل في القيادة، حيث اعتبرها أحد أقوى القوانين الأساسية التي يجب أن يتبعها القادة الأكثر نجاحاً في العالم. وقد تحدث دراكر عن ويلش قائلاً إنه كان يعيد تقييم أولوياته كل خمس سنوات بسؤال نفسه: «ما الذي يجب القيام به الآن حيث ينظر الأشخاص الناجحون والقادة الملهمون أن النشاط لا يعني الإنجاز بالضرورة، فمعادلة ترتيب الأولويات هي معادلة تركيز الجهد المبذول والفائدة التي قد تحصل من ذلك الجهد بأفضل الأحوال، هذا الأمر ينعكس أيضاً على نجاح التجربة الفنلندية في سياستها التعليمية من خلال التركيز على معيار التخلص من الجراثيم، هكذا كان يسميها الدكتور سالبرغ. الاسم المختصر للحركة العالمية لإصلاح التعليم «Gloal Education Reform Movement»، أو «GERM» (جرثومة). وقد ذكرت صحيفة «التايمز» أن التعليم الفنلندي أباد 99 % من جراثيم التعليم العالمي والمتمثلة في تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات، إطالة أوقات الدوام، وغيرها، كلها أساليب يؤكد سالبرغ أنها جراثيم قادرة على هدم أي نظام تعليمي يتكئ عليها.
إن ترتيب الأولويات لا يقتصر على الأفراد بل يشمل الشركات والمؤسسات والوزارات وحتى على مستوى الدول وكيفية تعاملها في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أي مجتمع. إن الجهود المبذولة في كثير من المؤسسات قد تبدو جميلة ولكن عندما تضعها في سلم الأولويات تجدها في أقل الدرجات لأنها لم تضع في الاعتبار مستوى الفائدة الأعظم والأشمل التي تطمح إليه ولا الرؤية البعيدة التي قد تحققها مما سبب لها تشتتاً في الجهود واختلالاً في بوصلة التقدم.