منصور ماجد الذيابي
عندما نستعرض تاريخ العلاقة الأزلية بين البيت والمدرسة، سنجد أن الوالدين - قبل ظهور المدرسة الرسمية كما نعرفها اليوم - كانا يقومان بدور المعلم أو المعلمة دون أن يدركا بأنهما يشكلان نواة المدرسة، إضافة إلى قيامهما بتولي مهام الدور التربوي في الوقت ذاته. وحينما ظهرت المدرسة في حياة الناس انتقلت رسالة التعليم من البيت إلى المدرسة التي استمرت في نشر رسالتها التعليمية وتولّت مهام التعليم وواجهت التحديات وذلّلت الصعوبات منذ ظهورها كمؤسّسة علمية مزوّدة بوسائل التعلّم وكوادر التعليم.
ومنذ ذلك الحين، وبرغم التحديات والمسؤوليّات الكبيرة، فقد ظلّت علاقة البيت بالمدرسة علاقة ثنائية راسخة وقوية عبر عقود من الزمن. لكن هذه العلاقة ورغم مرورها بفترات من التوتر والمدُّ والجزر نتيجة لعدم توفر وسائل النقل العام ووسائل التقنية الحديثة في الزمن الماضي إلا أنها لم تنقطع نهائيا بين المؤسسات التعليمية وشركاء العملية التعليمية والتربوية.
وبدخول المدرسة مؤخراً مسار التعليم عن بعد إثر اجتياح فيروس كورونا دول العالم، فقد دفعت هذه الظروف الصّحية طرفي العلاقة إلى مزيد من التقارب والتفاهم والتعاون المثمر بينهما من خلال التواصل عبر البوّابات الإلكترونية التي وفّرتها وهيّئتها وزارة التعليم لعرض المادة العلمية بطريقة فعّالة وجاذبة ومشوّقة ساهمت تدريجياً في رفع مستوى التحصيل العلمي وعزّزت علاقة البيت بالمدرسة إلى الحدّ الّذي أفرز ما يشبه أجواء الدراسة في المدرسة الرسمية قبل التحوّل إلى مسار التعليم عن بعد.
فقد أصبحت أسرة الطالب والطالبة تتولى عملية الإشراف على حضور الأبناء منصة التعلّم الإلكترونية في الوقت المحدّد، وتحثّ الطلاّب على متابعة الجدول الدراسي، وحل الواجبات والاستعداد لأداء الاختبارات الفصلية عبر الوسائل التي وفّرتها وزارة التعليم لخدمة الدارسين في ظل الجائحة التي أدّت إلى عزل الطلاّب عن المدرسة مؤقتاً. وممّا ساهم كذلك في تعزيز هذه العلاقة بين البيت والمدرسة هو كثافة تواصل المدرسة مع أولياء أمور الطلاّب عبر وسائل التواصل المختلفة لأجل إرسال التعليمات والتوجيهات الخاصة بدراسة الطالب والطالبة، ومن ثم نقلها للطلاّب لكيلا يؤثّر عدم حضورهم للمدرسة على مستواهم التحصيلي في نهاية العام. غير أن كثافة المعلومات الواردة من المدرسة عبر تطبيق الواتس قد أربكت البيت إلى حدّ ما، وزادت من الضغط عليه ليقوم بتولّي جزء كبير ممّا كانت تقوم به المدرسة من مهام تعليمية قبل الجائحة.
وبقدر ما ساهم «التعليم عن بعد» في تعزيز العلاقة بين المعلّم وولي الأمر، إلا أن الأخير قد وجد نفسه محاطاً بكثير من المهام الجديدة المضافة لمسئولياته الأخرى المتعلقة بعمله وإدارة شؤون أسرته اجتماعياً واقتصادياً وتربوياً. ومن هنا فقد شهدت العلاقة مع المدرسة توتُّراً ملحوظاً نظراً لتفاجئ البيت بتلك المستجدّات التي فرضتها الجائحة وعدم استطاعة الوالدين التفرّغ التام للتأقلم السريع مع الحالات الطارئة التي فرضتها الظروف الصحيّة على البيت بأن يكون - من حيث المكان - مدرسة بديلة يتولّى أعباء أخرى تمخّضت عن الإجراءات الاحترازية لوزارة الصحة التي طالبت بالتباعد الجسدي وارتداء الكمامات والبقاء في المنزل وعدم الخروج منه إلا للضرورة القصوى. وفي ذات الوقت حثّت وزارة التعليم الطلاّب بالتواجد أمام منصّات التعليم الإلكترونية، وطالبت البيت بأن يتعاون مع المدرسة للإشراف على أبنائهم ومتابعة سير العملية التعليمية عبر هذه المنصّات.
من كل هذه المعطيات لنظام التعليم عن بعد، ووفقاً لمبدأ الشراكة في المسؤولية المعرفية التعليمية، ولأجل المشاركة المتواضعة بتقديم الاقتراحات حول مزيد من صور التعاون مع المدرسة بما يواكب برنامج التحوّل الوطني لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 فإنّي أرى لو أن تقوم المدرسة بتشكيل لجنة تقدّم توصياتها شهريا لمكاتب الإشراف الإداري والتربوي حول مدى استفادة الطلاّب من بعض مناهج المقرّر الدراسي، ومعالجة المشكلات التي قد تطرأ على الخطّة الدراسية للعام الدراسي، ومناقشة أفضل السبل لرفع مستوى الطلاّب المتعثّرين دراسياً في بعض المقرّرات بدلاً من الاكتفاء بإرسال التقارير لأولياء الأمور الذين قد لا يتمكّن بعضهم بسبب ظروفهم من إيجاد الحلول المناسبة للتغلّب على الصعوبات الدراسية بطريقة تضمن رفع مستوى الطالب دراسياً.
ومن ناحية أخرى، ولتخفيف العبء الدراسي على أعضاء الكادر التعليمي في المدرسة بهدف تفرّغهم للمشاركة في جدول أعمال لجنة تقييم المنهج وسير العملية التعليمية، فقد يكون من الأفضل أن يتولى البيت مهمة تدريس بعض المقرّرات كالتربية الفنية والعلوم الاجتماعية والتربية الوطنية والقرآن الكريم، وذلك بالتنسيق المنتظم مع أساتذة هذه المقرّرات في المؤسّسة التعليمية.
وبالنسبة للمشكلات المتعلقة بسلوك الطالب داخل المدرسة، فالأمر هنا يتطلب حقيقة تشكيل محكمة مصغّرة على أن يتألف أعضاؤها من بعض الطلاّب وأساتذة المواد الدينية وعلم النفس والاجتماع إضافة إلى ولي أمر طالب بصفة مراقب، وذلك من أجل غرس مفهوم النظام العام من ناحية، وفضّ النزاعات والفصل في القضايا والمشكلات التي قد تنشأ بين الطلاّب أوبين الطلاّب وأعضاء الهيئة التعليمية.
ولتشجيع الطلاّب على القراءة لتوسيع دائرة معارفهم، وتدريبهم على طرق البحث عن الكتب في مكتبة الجامعة، والتعرّف على الخدمات التي تقدّمها المكتبة المركزية بحيث يعتاد الطالب في مرحلة التعليم العام على كيفية الاستفادة من خدمات المكتبة من وقت مبكر، لهذا يحبّذ إنشاء مكتبة صغيرة في كل مدرسة وربطها تقنيّاً بالمكتبة المركزية في الجامعة على أن يتم تزويدها بالمطبوعات التي تتناسب مع الفئة العمرية والمرحلة التعليمية. كما أنني أقترح إنشاء ورش مهنية لتعليم مبادئ الميكانيكا والكهرباء وصيانة الحاسب الآلي وأجهزة الجوّال ليوم واحد من كل أسبوع، وذلك بهدف اكتشاف المواهب وتحفيز القدرات الكامنة لدى الطلاّب على الابتكار والاختراع.
وبتفعيل هذه النشاطات في مدارسنا، سيتمكن أبناؤنا وبناتنا من مواكبة برامج تنمية العنصر البشري، وأيضاً مسايرة خطط التنمية الطموحة في المملكة العربية السعودية، وبالتالي تحقيق معدلاّت جودة عالية لمخرجات التعليم العام مما ينعكس إيجاباً على خدمة ورفاهية المجتمع السعودي بشكل أفضل.