الهادي التليلي
ما يميز المنظومة التعليمية المعاصرة عموماً، وبالمملكة على وجه الخصوص، هو الحراك والحوار بين جناحي التعليم العمومي والأهلي. وفي الحقيقة كلا الجناحين يسهم في بناء تعليم معاصر وجاذب؛ فالتعليم هو مستقبل الشعوب وحلها الأمثل للتطور والنماء والتحليق مع الأمم المتقدمة في سماء الإبداع في مختلف مجالاته. ومتى كان التعليم متطوراً كان المستقبل في مستوى انتظارات الأجيال التي ترنو إلى مرتبة أكثر رفعة وترقٍّ, ولو نظرنا إلى خارطة العالم المتطور لوجدنا أن أولى أولويات هذه الشعوب هو التعليم حتى أنه يروى عن زعيمة ألمانيا ميركل أنها أجابت المحتجين على تمييز رجال التعليم بقولها: «أتريدون أن تكونوا في المكانة نفسها مع من علموكم؟!». فالتعليم قبل أن يكون بثًّا ومتقبِّلاً ومادة مقدَّمة هو رسالة ذات مقام عال ومكانة محفوظة في الذاكرة والخيال.
لأجل هذا وغيره يعتبر التعليم المفتاح السحري للرقي المجتمعي والحضاري، ولأجل ذلك كانت عناية المملكة بهذا القطاع من خلال رؤيتها الرشيدة مسألة محورية في خطتها التنموية، ومن أجل ذلك كان - ولا يزال - الاهتمام بالتعليم مسألة وجودية بالنسبة للمملكة وسائر الشعوب مهما كان ترتيبها على المستوى العالمي من حيث التنمية. فلو تأملنا المشهد التعليمي في فترة كورونا لوجدنا أن الشعوب بالرغم من ويلاتها لم تتخلّ عن رسالتها التعليمية لأنها بابها وأملها في غد أفضل. ولو دققنا النظر في المشهد التعليمي السعودي لوجدنا أن الجائحة لم تؤثر على مستوى التحصيل الدراسي بفضل الجهود التقنية والتخطيط السليم لقيادة المملكة ورجالها حيث تمت المراهنة على التعليم الرقمي عن بعد بدقة عالية، مكنت المستفيدين من خدمة التعليم سواء العمومي أو الأهلي من الدراسة دون المجازفة بسلامتهم وسلامة الطواقم التعليمية والإدارية، وتحققت النتائج وحصلت المخرجات المنتظرة دون خلل أو تقهقر في المستوى.
هنا لا بد أن نسجل وقوف التعليم الأهلي رغم الصعوبات في وجه العاصفة والاستمرار بنفس الوزن والحجم والهيئة في مشهد التعليم الوطني حيث حافظ على نسبة مئوية من عدد التلاميذ تناهز 10.9 في المئة وذلك بالرغم من الجائحة وتحدياتها علمًا بأن نسبة هذا القطاع قبل الجائحة بسنوات ونعني 2014 كانت 12.3 في المئة يعني أن القطاع حافظ على توازنه ولم يشهد انقطاعات مفرطة تهدد وجوده وتنافسيته الخلاقة بل جودته ومخرجاته.
التعليم السعودي الذي يشهد مخاضاً وتغييرات قصد الأفضل يراهن المشرفون عليه على البناء انطلاقاً من جودة المنهج والكادر التعليمي الكفء والنظام التعليمي المسهم في نحت كيان تعليمي تكون الشراكة فيه بين كل الأطراف المتدخلة دون إغفال مؤسسة الأسرة والمجتمع المدني كذلك التعليم لا بد أن يكون عالمياً في المراتب التي تشبه جهود المملكة وقياداتها ومقياس دافوس ومؤشراته تعتبر تحدياً للتفوق على الذات والحصول على مراتب متقدمة.
فلتحقيق تنافسية عليا لا بد من استقطاب كبرى الجامعات والمدارس العالمية والبيوت العتيقة في العلم والمعرفة لتنشئ لها فروعاً بالمملكة وللحفاظ على نسيج التعليم الأهلي بالشكل الذي لا يصبح فيه في يوم من الأيام هذا القطاع محلاً لبيع النتائج. ونرى أنه حان الأوان لاستحداث صندوق وطني لتنمية التعليم يكون صندوقاً للمخاطر يصبح الحصن للمستثمرين في القطاع ومحفزاً لهم للاستمرار في الرسالة نفسها وبالأهداف نفسها كما نرى أنه حتى تستمر خطة التأهيل والتطوير لا بد من الإسراع بتنفيذ خطة الانتقال من البنايات اللاتعليمية إلى التعليمية في أقرب وقت بقطع النظر عن كورونا وغيرها مع تحفيز من يرغبون في ركوب موجة التحديث والانتقال إلى بيئة تعليمية تليق بأجيال نراهن عليها.