رحل بصمت مثلما كان الصمت يطبق على سيرته ومسيرته الثقافية والأدبية والفكرية والشعرية، رحل العاشق المتيم بشعر أبي الطيب المتنبي الذي قد تأثر فيه أسلوبًا ومعنى حتى تكاد تقول إن شعر الربيعي قريب منه.. بل إن من شدة إعجابه به أن سمى أحد أبنائه ( المحسّد) تشبهًا بأبي الطيب الذي له ولد واحد يحمل هذا الاسم.. والأديب عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالمحسن الربيعي رحل عن دنيانا تاركًا له أرثًا ثريًا من الفكر الذي سطره يراعه فى الكثير من المجلات الثقافية والأدبية والصحف المحلية والعربية وخاصة المجلات المتخصصة.. إذ يملك رحمه الله قلمًا سيالاً وملكة خاصة جعلت من أسلوبه في الكتابة ما يبهر القارئ فضلاً عن العمق الذي تجده في مقالاته وقصائده.. والتي تجمع بين رشاقة الحرف وعمق المعنى وجزالة الكلمة ورصانة الطرح، فالأفكار مرتبة ومتسلسلة وتجذب قارئها إلى أن ينتهي منها وهو مستمتع لا يكل ولا يمل وهو يقرأ من معينه الذي لم ينضب في حياته.. والمرحوم غفر الله له تربطني به علاقة طيبة، إذ كنت أحرص على حضور لقاء مغرب يوم الجمعة أسبوعيًا فى منزله العامر بالملز الذي يجمع نخبة متنوعة من أصحاب الفكر والأدب والثقافة.. فكان اللقاء ثرياً بالمعلومة الجديدة وبالطرح الرصين قلما تخرج من مجلسه دون أن تحمل الكثير من الفوائد والفرائد، وقد كنت دائم الوصل به وطالما شاهدت نخوته وشهامته وفزعته لكل من يطلب منه أمرًا يستطيع عليه.. ذات يوم عرض علي فكرة كتاب عن النباتات البرية وما قيل فيها من الشعر العربي والنبطي.. وقد لمست منه التقدير والحفاوة ومنها أنه يكرمني في الدخول إلى مكتبته الخاصة فى منزله والعامرة بأمهات الكتب والمصادر والمراجع والدوريات ومنها المخطوط والنادر النفيس والتى جعل ركنا منها لأبي الطيب المتنبي شاعره المفضل ومحط إعجابه وملهمه شعرًا وأدبًا.. سألته ذات يوم من متنبي هذا العصر من الشعراء العرب فسكت برهة وتنهد وقال: سؤال صعب والإجابة عليه أصعب ولكن فى نظري هو الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، فهو الأقرب مقاربة منه وكان الأديب الربيعي رجل مروءات ومواقف الكل يشهد عليها ولديه علاقات وتواصل عجيب مع الكثير من الأدباء والمفكرين يأتون إليه ويذهب إليهم، كما أنني رأيت مدى حرصه الشديد على السؤال عن الكثير من أهل الزلفي ويذكر أسماءهم ومنهم والدي رحمه الله وكان يعتب عليّ كثيراً إذا توانيت عن إعلامه عن مرض أحدهم أو وفاته لقوم بواجبه تجاههم بالزيارة أو المشاركة بالصلاة والعزاء حتى مع تقدم سنه ومرضه وتعبه والإجهاد الذي يكابده، وقد رافقته فى بعض تلك الزيارات فلديه همة عالية في التواصل مع الناس، فقد كان إنسانًا مختلفًا بكل ما تحمله تلك الكلمة من معاني السمو والتسامي والرقي والتواضع، والأديب الربيعي يعد من أوائل العاملين المؤسسين لمؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر عندما كانت مجلة مع مؤسسها الأديب الأستاذ عبدالله بن خميس رحمهما الله، إذ كان مديرًا لتحرير مجلة الجزيرة المحتجبة الذي كان تاريخ تأسيسها في عام 1379هـ (1960م).
رحم الله الشيخ الأديب عبدالعزيز الربيعي رحمة واسعة وجبر مصاب أبنائه وبناته وأسرته الكريمة، وأسكنه فسيح جناته وبموته فقد الوطن والأدب أديبًا ملهمًا وكنزًا من كنوز المعرفة والثقافة والأدب.
** **
- فهد بن عبد العزيز الكليب