عثمان بن حمد أباالخيل
دوران عقارب الزمن لا يتوقف، وتجاعيد الزمن تترك أثرها على وجوهنا وأجسامنا، وفترة الانتظار في محطات المغادرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، الجميع راحلون إلى الحياة الأبدية، رحلوا عن أعيننا لكنهم باقون في قلوبنا، وذكرياتهم محفورة في الذاكرة وإن طال الزمن.
الحياة جسر عبور إلى الحياة التي ينعم بها الإنسان في الآخرة حيث النعيم والراحة.
رحلوا لكنهم باقون في هيئتهم وابتسامتهم وأصواتهم وعباراتهم وطيبة أنفسهم، باقون لأن الذكريات لا يمحو الزمن، لأن الذكريات هي من تخفف وطأة الفراق، كل إنسان في هذه الحياة فقدَ إنساناً عزيزاً وغالياً، إنساناً ترك سيرة عطرة في حياته.
رغم مرور أربعة عقود ونيف على وفاة نبع العطاء ونهر الوفاء أمي إلا إنها لم ترحل إلا بجسدها، فهي معي حيث أكون في هذه الدنيا تمدني بالسعادة وتمسك بيدي وتدلني للخير وتدعو لي في كل أوقاتها.
ما تمنيت شيئاً بحياتي أكثر من أن تكون أمي بيننا، أمنية لن تتحقق وكيف تتحقق وأنا من حملها وأنزلها القبر، لكن أمنيتي تتحقق في كل يوم تشرق فيها الشمس، فذكرياتها في كل أحوالها مخزَّنة في ذاكراتي التي أدعو الله في كل يوم أن يتبعد عنها الزهايمر.
رحيل أمي غصة، رحيل أمي ألم، رحيل أمي وأمهات من يملكون المشاعر التي أملكها رحيل صعب، لكنه رحيل لا بد منه حين يحين الوقت المكتوب الذي لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ.
أيها الأحياء يا من أمهاتهم على قيد الحياة لا تضعوا أمهاتكم في موقف المقارنة مع الآخرين ولا تسمعوهم ما ينغص عليهن حياتهم ولا ترفعوا أصواتكم ولا تتسبوا في ذرف دموعهم، وكونوا لهنَّ العسل والحنان، وقبل هذا إياكم والعقوق، ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر يقولها ثلاثًا: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين).
حياتنا تستمر وأحفادنا لا يعرفون أمواتنا من الآباء والأمهات لكنهم يتساءلون كيف كانوا وكيف عاشوا ومتي ماتوا والكثير من الأسئلة التي تجعلنا نذرف الدموع ويخيم على يومنا الحزن الذي لا يفرقنا ليل نهار، هنيئاً لمن لم تشغله الحياة ومن لم تطفئ مرور السنين شوقه لأمه.
عندما أريد أن أكتب عن الأم فإنّ الكتابة لا تنتهي وإن كتبت رواية.
اللهم اجعل أمي وأم من يقرأ مقالي من الأموات في جنة الفردوس.
أقتبس
(الأُمُّ مَدرَسَةٌ إذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طيِّبَ الأَعراقِ)
الشاعر حافظ إبراهيم.
وفي الختام وهل هناك أجمل وأطيب من ذكرى أمهاتنا المتوفيات، وأجمل وأطيب من الجلوس والاستماع إلى حديث الأمهات الأحياء -أطال الله بأعمارهن.
كلَّما ضممت حفيدتي الجميلة والدلوعة تأخذي الحياة إلى الوراء وأنت تقبليني.
أقتبس (اللهم اجعل أمي وأمهاتكم من سيدات الجنة) الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله.