قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
وقال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وقال الرسول الأعْظم - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها». كم دنيانا قصيرة، والأعمار بيد الله سبحانه، ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت.
فالموت علينا حقّ.. ولا يسلم منه لا نبّي مُرسل، ولا ملك مبجل، ولا عالم فاضل.. والقدر المحتوم قادم ولا هروب منه ولو كنّا في بروج مشيّدة.. وكما قال تعالى في محكم كتابه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}..
وعلى المسلّم والمسلمة الرضا بقضاء الله. نعم علينا أن نرضى بقضاء الله وقدره؛ فقد قضى الله سبحانه وتعالى بموت الإنسان الذي أحببناه..
وعلينا أن نؤمن بالقدر خيره وشرّه.. وأن نتقبّل المصيبة مهما كان حجمها وعِظم أثرها لأن في ذلك أجراً عظيماً بإذن الله..
بعد هذه المقدّمة من آيات وأحاديث جميعها تدعونا جميعاً للصبّر والاحتساب.. نتاج فقدان قريب وحبيب.. وصديق ورفيق فإن الحزن والألم الذي أصابني وأهْلينا وأحبّتنا خلال الأيام الماضية لرحيل العديد من الأهل والأصدقاء والأقرباء.. جميعهم لهم في قلوبنا مكانة.. ومحبّة وتقدير.. ولكن هذا قدر وأجل لا مفرّ منه، ولو كنّا في بيوت مشيّدة..
أربعة رجال.. هامات وقامات.. كانوا طوال حياتهم -كل في مجاله - خدم دينه ووطنه وولاة أمره بإخلاص وتفانٍ.. رجال ترك كلّ واحد منهم بصمة تتحدّث عن تاريخه نّاصع البياض.. قلوب بداخلها الصفاء والنقاء.. ورمز الوفاء..
بيوت مفتوحة بكرم حاتمي أصيل..
وتواصل مع القريب والبعيد.. من كان منهم في عمل حكومي ومن برز منهم في العمل الخاص.
عندما أتحدّث عن من قصدتهم بالرجال وخطفهم عنّا القدر فإنهم من أصائل المعادن الثمينة وأكرر وفاء ونقاءً وعطاء.
فقدنا رجال الرجال لا يُعوضنا في كل منهم مع أنهم لا يعوضون ولكن الأمل في الله وفي أبنائهم وبناتهم البررة بأن يكونوا خيْر خلف وأن يكون كما قيل صلاح الآباء.
فقدت معاني الأسى والحزن أربعة أعلام وعلْم وكرم وخُلق.. وكلّ أخ منهم يستحق مقالاً منفرداً.. لأنّي تعاملت وتعلّمت مع كلّ شخصية منهم عن قرب في مجالستهم ومجالسهم أموراً حياتية لا حدود لها.. كانت لي مع كلّ فقيد منهم ذكرى وخارطة طريق مضيء انعكست بفضل الله على مسيرتي خيراً. رحم الله خيرة وأنقى وأطيب الرجال:
معالي الشيخ الفاضل ناصر بن عبدالعزيز الشثري
رحمه الله وغفر لنا وله الذي عرفته منذ انتقالي من مصلحة الجمارك بالمنطقة الشرقية لرئاسة الحرس الوطني بالرياض حينها كان معاليه مسؤولاً عن الشؤون الدينية وكنت لا زلت في بداية الطريق لحياة عملية أحتاج لمن يمسك بيدي ويساعدني في أمور كثيرة وكان -رحمه الله- ممّن وفقني الله بمعرفته ومن أول لقاءً فتح لي قلبه وبيته وتعلّمت منه كغيري دروساً كانت مناراً وعوناً لي حتى بعد أن انتقلت بعد سنين لمجال عمل آخر..
شيخنا العلّامة الفاضل أبو خالد يحتاج منّي لصفحات وصفحات لذكر مناقبه وما يتمتّع به من رحابة صدر وعلم واسع وكرم أخلاق ومال لكلّ قاصديه.. لقد تحدّث وكتب عنه كلّ من عرفه وعايشه لأنه من الرجال الأفذاذ الذين رافق وواكب ملوك هذا الوطن.. أتمنى -إن شاء الله- من معالي شيخنا ابنه الفاضل «سعد» أن يتابع ما كتبه الراحل قبل وفاته من مذكرات وذكريات، وأن تصدر في كتب وليس كتاباً واحداً.. فقيدنا لم يكن مستشاراً.. لا يُستشار..!!
وإنما كان له دور مهمّ في مراحل مسيرته العملية.. تاريخ لا يضيع ليكون قراءة مفيدة للأجيال.. فلا تندثر..
والراحل الثاني
أخونا ووالدنا ونسيبنا الشيخ عبدالله بن إبراهيم السبيعي رجل الأعمال والخير أبو إبراهيم صاحب الشخصية الاقتصادية وفاعل الخير في مجالات متعدّدة، عرفته أثناء مشاركتي المتواضعة كعضو مجلس إدارة في عدد من الجمعيات الخيرية بمنطقة مكة المكرمة..
وأتذكّر في أول اجتماع أصرّ على مرافقته إلى جدة لإكمال الحديث، وبعد وصولنا ومع أن لدي حجزاً بأحد الفنادق، ولكرم أخلاقه أصر عليّ بالمبيت في جناح ضيافة خاص لاستضافة زائريه من أهل ومحبّين واستمر حتى مماته.. وكنت أحرص في كلّ زيارة إلى جدة على زيارته في مكتبه أو منزله والأهمّ جلساته الرمضانية الحوارية الممتعة في مجلسه العامر في عمائر مكة المكرمة.. وشاءت الأقدار أن أتعرّف أثناء إقامتي بالرياض على توأم روحه شقيقه ورفيق دربه المغفور له - بإذن الله - الشيخ محمد بن إبراهيم السبيعي أبو إبراهيم وحضور مجلسه الأسبوعي حيث كان من نتاج هذه المعرفة اقتران ابني الكابتن طيار سعود بحفيدته والدة عبدالله ومضاوي وإبراهيم ومساعد التي كانت - ولا تزال - من شجرة مباركة.. وهكذا عشت حياتهما.. رحمهما الله وغفر لهما.
الفقيد الثالث
العم الفاضل الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن آل الشيخ
الذي كانت مسيرته وحياته نبع علم وفضل والعشق الممزوج بالعمل كانت بداية حياته في التعليم وآخرها محبّته للأرض وزراعتها.. وللنخلة وخدمتها.. كان أبو عبدالعزيز المرجعية للكثير من الأسرة، ساهم في تطوير وتعليم أبنائه وبناته حتى تمكنوا بفضل الله من الوصول لأعلى درجات العلم والمكانة.. كما كان -رحمه الله- متعلّقاً برحاب بيت الله الحرام حيث كان يشدّ الرحال من منتصف شعبان حتى منتصف شوال ليتمكن من الصيام بمكة المكرمة التي كان يحبّها وتحبّه.. رحمك الله أبا عبدالعزيز.
فقيدنا الرابع
جدّ أحفادي الشيخ الفاضل رجل الأعمال/ والم حسين القباني السهلي.
هذا الرجل الحبيب بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى منحه المال والبنين إلا أنه كان رجلاً بسيطاً تأنس لحديثه ودعابته التي كمْ جعلتني كثيراً من الأحيان
أفتح حواراً بينه وبين أحد الحضور الذي لمن لا يعرف ما بينهما من علاقة يشكّ في أنّهما سيعودان لما كان عليه قبل دقائق!
الحبيب والم كان نعيه بين جماعته «القبابنة» حزيناً حيث توافدوا من كلّ مكان لتعزية أبنائه.. كان رجلاً كريماً في أخلاقه وتعامله وكما يقولون فزعته مع كل من قصده.. كان يحرص على أن يقف بنفسه على عمله ليطمئن على مساراته، كان لابني خالد الفضل بعد الله أن عرفت هذا الرجل الخيّر بعد أن اقترن بإحدى بناته «والدة يارا وعبدالله التي كانت نبتة صالحة من والدين صالحين».
رحمك الله «أبا سعود», وعزائي في الجميع أن الله منحهم أبناءً وبنات وأحفاداً.. نتوسم فيهم جميعاً -بإذن الله- الخير والبركة، وأنهم حريصون كل الحرص على بقاء آبائهم أحياء بالصدقات عنهم.. ومواصلة أعمالهم الخيرية.. والتواصل مع أحبابهم.. واستمرار مجالسهم ذكراً واستقبالاً، ولندرك أننا سنؤول إلى ما آلوا إليه، فلتكونوا قدوة حسنة لهم بإذن الله.
خاتمة
للَّهُمَّ اغْفِرْ لهم وَارْحَمْهُم وَاعْفُ عنْه وَعَافِهِم وَأَكْرِمْ نُزُلَهُم وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُم وَاغْسِلْهم بمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَنَقِّهِم مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُم دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِم وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِم وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِم وَقِهِم فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ.
اللّهم آمين.. يا ربّ.
** **
- عبدالله بن محمد آل الشيخ