خالد بن حمد المالك
فرح الفلسطينيون بسقوط نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، لكنهم لم يرحبوا بخلفه نفتالي بينيت، لأنهم يعرفون أن لا تغيير في سياسة إسرائيل بشأن قمعهم وإذلالهم كلما ارتفع صوتهم، أو تصرفوا بما يوحي بأنهم يطالبون بدولة فلسطينية لهم، أو تحدثوا عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية التي أصبح قيامها يمر بتعقيدات ومسارات تحول دون تحقيقها.
* *
الفلسطينيون بدؤوا في تخفيض سقف مطالبهم المشروعة منذ اتفاق أوسلو واعترافهم بالدولة الإسرائيلية، ومازالوا مرنين في الاستجابة لأجندة إسرائيل التي تقوم على تهجير السكان الفلسطينيين من منازلهم، وإحلال المستوطنين مكانهم، وزيادة البؤر الاستيطانية، ضمن التهويد المستمر، وعدم القبول بأي مطالب فلسطينية تقود إلى إقامة دولة تهدد وجود إسرائيل.
* *
وما لم يفهمه إخواننا الفلسطينيون، أن حقوقهم المشروعة هم من أضاعوها بالصراعات والخلافات فيما بينهم، وارتهانهم وموالاتهم وولائهم لبعض القوى الخارجية، بل إن هناك منهم من لا يجد غضاضة في التعاون مع إسرائيل، وها هي الحكومة الجديدة -ولأول مرة- تضم فلسطينياً من الإخوان المسلمين العرب هو الإخواني منصور عباس، بما لا أفهم كيف يرضى لنفسه بحضور جلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي والتصديق على مشاريع إسرائيلية تمس بالصميم الفلسطينيين، وإفراغ الحقوق الفلسطينية من أي أمل لتحقيقها طالما أن الفلسطيني العربي في الحكومة لا يعارض ما تقره حكومة العدو الإسرائيلي في غير مصالح الفلسطينيين.
* *
وما لم يفهمه الفلسطينيون حتى الآن أن أمريكا ودول أوروبا والصين وروسيا، وكل دول العالم مع إسرائيل، فلا تعترض على ضم إسرائيل للقدس، ولا على إقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ولا عدم قبولها بعودة اللاجئين، بل إنها تغض الطرف عن جرائمها وتنكيلها بالسكان الفلسطينيين، وتتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية إنسانية دون أي لمسة إنسانية منها وهو ما يرضي إسرائيل ويحقق مطامعها في دولة على كامل أراضي الفلسطينيين.
* *
بل إن إخواننا الفلسطينيين يراهنون على الوقت، ومثلهم تراهن إسرائيل، لكن ما لم يتبين للفلسطينيين أن الزمن يسير لصالح إسرائيل، وأن أي تأخير في الوصول إلى نتائج مع العدو لإقامة دولة فلسطينية سيجعل تحقيقها مع تقادم الزمن مستحيلاً، وبالتالي فلابد من البحث عن آليات وسياسات تفضي إلى تفاهم يحقق مطالبهم أو بعضها، لأن هذا أفضل بكثير من أن لا يحقق أي شيء.
* *
كما أن ما لم يفهمه الفلسطينيون أيضاً أن الرهان على العرب لتحرير فلسطين في السابق، والرهان على المسلمين في الحاضر، هو إضاعة للوقت، فتحرير فلسطين يقوم على الإرادة الفلسطينية، والتوافق بين الفلسطينيين على سياسة ومنهج وتوافق يسد الفجوة، ويقضي على النزاعات، وعليهم أن يعودوا إلى التاريخ ويتذكروا نصيحة الملك عبدالعزيز التي لو أخذوا بها لكانوا الآن في دولة عاصمتها القدس.
* *
فلسطين الآن في أسوأ مرحلة، في أصعب تاريخ، وأمام مستقبل غامض، فالمؤامرة في الداخل والخارج، من القوى الكبيرة والصغيرة، تزداد شراسة، ولا من أحد يملك القدرة على الحد منها، أو القضاء عليها، وعلى الفلسطينيين أن يتدبروا أمرهم، ويعتمدوا على أنفسهم، ويكونوا واقعيين في التعامل مع أصعب قضية استعمار ظالم ومتسلط في التاريخ.