د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** ربما لم نقتنع -وقت ذيوع مجلة المنهل- بالمقارنات التي كان يعقدها مؤسسُها ورئيسُ تحريرها آنذاك الشيخ عبدالقدوس الأنصاري -رحمه الله- 1906-1983م بين مجلته ومجلة العربي الكويتية؛ فقد كان يقارن موادَ المجلتين وأبوابَهما ليُثبت أن المنهل أفضل، وكنا صغارًا لا تبلغه أصواتُنا، ولو وصلته فلن يقبل «أبو نبيه» -غفر الله لهما- أن نُفسد عليه مبدأ المقارنة، حتى ونحن نراهما عملين غيرَ متشابهين شكلًا ومضمونًا، وحتى لو كتبنا له أننا نحبُّهما كما هما من غير أن تُلغيَ إحداهما الأخرى، وحتى لو زعمنا أنَّ «المنهل» أقربُ إلى أفهامنا ليُسر طرحها، والعربيّ أقوى تأثيرًا في عمق تكويننا، ولا تثريب على عاشقٍ رأى حبيبته كما رأى جميلٌ بثينة، وما كانت أبهى النساء، وكذا فلم نستعرْ عيني القُضاعي ولا ذائقةَ الخزرجيّ.
** الظنُّ أنه لم يفتْ صاحبَكم - وقت أول شبابه- عددٌ من أعدادهما، وقد يزعمُ أنه قرأ كلَّ محتوياتهما، ومضى عنهما أو مضتا عنه، وما عادتا تلك الفاتنتين، وما عدنا من المُفتتتنين، لكنَّ «ذا الشوق القديم لا يسلو»، وتمرُّ بذاكرته «المنهلية» بريد المجلة والحوارات القصيرة التي تُجرى على هامشه، ومنها حوار لطيف مع أحد زملائنا في المرحلة الثانوية حول «الصاغاني»، وشذرات ذهب الشيخ أحمد الغزاوي وملاحظات الشيخ عثمان الصالح غير العابرة، عدا أعدادها الخاصة، واستطلاعاتها، والكتب المرفقة بها أحيانًا.
** قرأ - ضمن ما قرأ - مقالاتٍ منتظمةً للأستاذ علي خضران القرني فسما اسمُه في ذاكرته بوسم أسلوبه الجميل وعرضه الهادئ وصورته الوضيئة، وإذ لم يعُدْ صاحبكم ذا صلةٍ بالمنهل بعدما تعددت المُشغلات فإنه لم ينسَ مجلةً أنس بها زمنًا رغدًا، وحمل تقديرًا خاصًا لكتبتها، وسعد حين تواصل معه الأستاذ علي خضران، وتشرف إذ رآه ضمن كُتَّاب المجلة الثقافية، وما أجمل زمنًا يرعاه الكبار.
** لم يُدل «الأستاذ علي خضران» بتاريخه العريض، ولم يتحدث عن نفسه بصيغة التعظيم، ولو لم يكن مسؤولُ الثقافية من قُرّاء «المنهل» القدامى لظنّه من الشُّداة المتكونين المتمكنين الذِّين تسعد بهم الثقافية، ولكفاه منه لطيفُ تواضعه، وجميلُ كلماته، وحميميةُ أسلوبه.
** ربما فاجأته معرفةُ صاحبكم به، وردُّه عليه بأنه يُضيف ويُضيءُ ويُشرِّفُ ويُوجهُ ويطلب منه أن يثق بسعي الثقافية إليه لا سعيه إليها، وهو أقلُّ الأقل بحقِّ ريادته ودوره الثقافيّ.
** وهذا الملف إشارةٌ سريعة إلى هذا العَلَم المعطاء؛ فليس أكثرَ من تحيةٍ ودعاءٍ تتلمسُ ألفَ حقّه، وباءَ جُهده، وتاءَ كَدّه، وياءَ بعض واجبنا نحوه.
** المنهلُ يفيضُ ولا يغيض.