لقد اشتهرت ظاهرة السرقات الأدبية وهي آفة قديمة ويستاء الكثير من الكتاب والشعراء والمبدعين والأكاديميين من تلك السرقات المتكررة والتي تنتشر عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف والمجلات كسرقة الروايات والمؤلفات والقصائد الشعرية والقصص والبحوث العلمية للمدارس والجامعات، وغالباً تكتشف تلك السرقات وعلى سبيل المثال سارق القصيدة يتفاجأ انها قد نشرت منذ فترة سابقة باسم شخص آخر فيقع في إحراج شديد أمام القراء لأن الأسبقية في النشر تدل في الغالب على ملكية القصيدة، وهناك من يقوم بسرقة بعض من الروايات أو المؤلفات وعند النقاش عن تلك الروايات والمؤلفات فإنه يقع في ورطة لأنه ليس بروائي او مؤلف ومقصده من وراء هذا التصرف هوس الشهرة، وهناك أيضاً من يتعمد سرقة إحدى القصائد او الروايات التي قد تم نشرُها منذ فترات طويلة ويتوقع انه من الصعب معرفة الحقيقة الاّ أنه سرعان ما يتم اكتشافه !!! وقد نقلت لنا الكتب والمراجع عبر التاريخ عن تراث العرب القديم في الجاهلية والإسلام وأحداث وقصائد وأشعار مع ذكر الأسماء من الشعراء والمبدعين والروائيين للقصص المختلفة التي تحكي عن القِيم والأخلاق والشجاعة والمروءة والصدق والأمانة وغيرها.... وقبل أعوام قبل عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عندما يتم الاستفسار أوالتحقق عن إحدى روائع الشعر العربي منذ العصر الجاهلي وإلى وقتنا الحاضر وعن أسماء الشعراء والروائيين يتم ذلك من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية أو عبر الصحف، ومن أشهر البرامج التي كانت تختص بالأدب والأشعار آن ذاك في إذاعة الرياض برنامج «من القائل؟» من تقديم الشيخ الأديب والموسوعي عبدالله بن خميس -رحمه الله- وكان يجيب عن أسئلة المستمعين عن بعض القصائد والأشعار وعن مناسباتها ويرد عليها بإسهاب وبصدر رحب وبأسلوب شيّق، وبرنامج «من القائل» من البرامج المتنوعة والناجحة التي امتازت بها «إذاعة الرياض» وتفوّقها على باقي الاذاعات لما لها من جمهور كبير جداً من المتابعين المتشوّقين لسماعه والاستفادة منه ولأن البرنامج هو الوحيد والفريد من نوعه، فقد عمل مقدم البرنامج الشيخ عبد الله بن خميس - رحمه الله - لكي يرضي الجمهور الكبير من المتابعين للبرنامج أن قسّم وقت البرنامج إلى قسمين القسم الأول: للشعر الفصيح والقسم الثاني: للشعر الشعبي، أما في وقتنا الحاضر عصر السرعة وتطوّر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاتماعي وعند الاستفسار عن احدى القصائد والأشعار والروايات والكتب وفي مختلف العلوم الأخرى.... فإنه يتم بمحرك البحث السريع «قوقل» وهو ميدان كبير مليء بمختلف الثقافات والعلوم، ولأنه ليس هناك محاسبة لمن يقوم بالسرقات الأدبية من «قوقل» فهناك من يستغل هذه المساحة بتبديل أسماء الروائيين والشعراء الحقيقيين وينسبها إلى نفسه أو لأشخاص آخرين ومن ثم يتم تداولها عبر الإنترنت والسوشل ميديا!!؟ وسأذكر بعضاً من الأمثلة على البعض من القصائد والأشعار التي نسبت إلى غير أصحابها وما تناقلته عدد من المواقع الإلكترونية وهي كالتالي:
* قصيدة بعنوان: «ياونتي ونّت الجالي» نسبت هذه القصيدة لأكثر من شاعر وبعد التأكد والتصحيح تبيّن أنها للشاعرة [منيرة الأكلبية]:
(يا ونّتي ونّت الجالي)
أبكي على صاحبٍ غالي
ما جاني أخبار من يمّه
أتلى العهد ذكر نزالي
متعديٍ وادي الرمّه
يا طير خبره عن حالي
معاك يا طير في الذمّه
يا واهني الذي سالي
ما هوب متقاربٍ همّه
يا ونّتي ونّت الجالي
إللي جلى من بني عمّه
ومن أولٍ عندهم غالي
اليوم مطلوبهم دمّه
وهناك أيضاً قصائد اشتهرت عبر التاريخ وذُكرت مناسباتها التي قيلت من أجلها وهي موثقة في الكتب والمراجع وقد تم تناقلها جيل بعد جيل وفي المدارس والجامعات، ومع شديد الأسف هناك من أساء استخدام الإنترنت والسوشل ميديا وبكل جرأة قام بتغيير اسم صاحب القصيدة الحقيقي ونسبها لغير صاحبها ومن تلك القصائد على سبيل المثال:
* «النفس تبكي على الدنيا» و*»وما من كاتب الاّ سيفنى» وقد نسبت في الإنترنت ومواقع التواصل للإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. وبعد التأكد والتصحيح تبيّن أنها للإمام الشافعي -رحمه الله- الذي اشتهر بقصائده في الزهد والحكمة والنصائح ووصف الجنة. والقصيدة منها هذه الأبيات بعنوان:
(النفس تبكي على الدنيا)
النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت
أنَّ السعادة فيها ترك ما فيها
لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها
إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنُه
وإن بناها بشر خاب بانيها
لا تركنَنَّ إلى الدنيا وما فيها
فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها
لكل نفسٍ وإن كانت على وجلٍ
من المَنيَّةِ آمالٌ تقويها
المرء يبسطها والدهر يقبضُها
والنفس تنشرها والموت يطويها
والأخرى: (وما من كاتب إلا سيفنى)
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقى الدهرَ ما كتبت يداه
فلا تكتب بخطك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
وكذلك قصيدة أخرى مؤثرة تعبّر عن «الظلم» وهي من القصائد الشهيرة التي تم تناقلها بين الناس منذ أجيال مضت والمناسبة التي قيلت فيها القصيدة وقد نسبت في الإنترنت ومواقع التواصل للإمام علي بن ابي طالب -رضي الله عنه- علماً بأن بلاغة الإمام علي- رضي الله عنه- تفُوق هذه الأبيات والذي يشهد له الجميع بغزارة علمه وفصاحة لسانه. وبعد التأكد والتصحيح تبيّن أن القصيدة للشاعر أبي العتاهية من شعراء العصر العباسي. والقصيدة منها هذه الأبيات بعنوان:
وعند الله تجتمع الخصوم
أما والله إن الظلم شؤم
ولا زال المسيء هو الظلوم
إلى الديّان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم
سَلِ الأَيّامَ عَن أُمَمٍ تَقَضَّت
سَتُخبِرُكَ المَعالِمُ وَالرُسومُ
لَهَوتَ عَنِ الفَناءِ وَأَنتَ تَفنى
وَما حَيٌّ عَلى الدُنيا يَدومُ
ستعلم في الحساب إذا التقينا
غدا عند المليك، من الملوم؟
وأيضاً قصيدة اشتهرت بقصتها المؤثرة بعنوان: (والله لولا ها لصغار اليتامى) وقد نسبت هذه القصيدة للشاعر: نمر بن عدوان وبعد التحقق والتصحيح تبيّن أنها للشاعر محمد بن مسلّم وهو أحد شعراء الاحساء ومناسبة القصيدة قالها في رثاء زوجته التي توفيت في العاشر من شهر رمضان المبارك وكان يحبها حباً شديداً وحزن عليها وقال فيها هذه القصيدة ومنها هذه الأبيات:
البارحة يوم الخلايق نياما
بيحت من كثر البكا كل مكنون
قمت أتوجد له وانثر علامه
من موق عيني دمعها كان مخزون
ولي ونتن من سمعها مايناما
كني صويبن بين الاظلاع مطلوع
تسمع لها بين الجرايد حطاما
ومن نوحها تدعي المواليف يبكون
على عشير مات شهر الصياما
عشر القيام وليلة العيد مدفون
وكذلك من القصائد المغناة التي نسبت لغير أصحابها وبعد التأكد والتصحيح تبيّن أنها: للشاعر الراحل نزار قباني ومنها هذه الأبيات بعنوان:
«إني خيرتك فاختاري»
إني خيرتك فاختاري
ما بين الموت على صدري
أو فوق دفاتر أشعاري
اختاري الحب.. أو اللاحب
إرمي أوراقك كاملة
وسأرضى عن أي قرار
لا يمكن أن أبقى أبداً
كالقشة تحت الأمطار
ومن القصائد المغناة أيضاً التي نسبت لغير أصحابها وبعد التأكد والتصحيح تبيّن أنها: للشاعر خالد الردادي ومنها هذه الأبيات بعنوان:
«سيداتي آنساتي سادتي»
سيداتي انساتي سادتي
الأحباء الأعزاء الكرام
من يفسر لي خيوط وسادتي
ومن يغمض لي عيوني لين انام
عادته يدمح خطاي وعادتي
لاذكرته فاحت اسراب الحمام
غادتي ياغادتي ياغادتي
والله ان اللي تسوينه حرام
صبي لسكر حلاك زيادتي
ياحلو طعم الرضا بعد الخصام
ومضة:
أنشد الشاعر العربي طرفة بن العبد الأبيات الآتية يذم من يسرق أشعار غيره ونافياً عن نفسه تهمة السرقة
وَلا أُغيرُ عَلى الأَشعارِ أَسرِقُها
عَنها غَنيتُ.. وَشَرُّ الناسِ مَن سَرقا
وَإِنَّ أَحسَنَ بَيتٍ أَنتَ قائِلُهُ
بَيتٌ يُقالُ إِذا أَنشَدتَهُ صَدَقا
** **
- بدر بن عبد الكريم السعيد
b.abdulkareem@hotmail.com