لقد أوحيت للناس بأنني صبورة لدرجة
أنهم اعتقدوا ألا شيء يثير غضبي
ولا جرح يسطو مني..
ولا يستطيعني وجع ولا هم..
لقد فهموا دون قصد مني أني قنوعة لدرجة
ألا تمني في صدري.
ولا فكرة في ذهني.
وأني أعيش على محمل الاستسلام المطلق دون مقاومة..!!
هذا ما اعتقدوه ليس ما قصدته..!
أقول لا بأس وكلُ البأسُ في صدري..
وأخفي تضوُري وظمئي وشدة حاجتي..
«عجاف» كان الهواء يمرُ بيني وبين قلبي
يلفهُ لفّ المرتاب في الفضاء الخائف من العتمة.
تسمعُ صقع أبوابه دون ردفه تردفه..
أذكره ذلك الصباح.
ينهضُ دون اتكاء ويبدأ دون هدف.
ويأتي آخر اليوم يجرُ أقدامهُ وقد قص منه القدر مقص الجرح واللطم والريبة.
أذكره جيداً كان يُلقي بنفسه ليلقي بي معه
في متاهات الأحلام المخملية
يبتسم وهو يعدد حاجاته ويبكي وهو يتأملها.
لقد تعب كثيراً..
لقد كان الخيال ملجأهُ الوحيد
بل كان القبو الذي يسكنهُ خوفاً من الموت على نفسه..
سنوات عُجنت بها مراحلي عجن الظالمين
وسُقيت بماء لا يغني ولا يسمن من جوع
خزائني كانت حصيلتها فارغة.. وأنا جائعة.
في الوقت الذي كان به الجميع يحصد كنت أنا يابسة..
وفي الوقت الذي كان به الجميع يكبر كنتُ أنا متوقفة.
هزلت.. وأنا التي تحب الحياة حباً كثيراً..
لقد أفسدني دلالُ أبي على البقية..
كنت أعيش على هذا الفتات وبه كنتُ أقتات..
كان قوامي الذي هربت به من تلك الطفولة
ورزقي الذي كان يطعمني حتى التقيتك..!
فسمعت قلبي ينبض لأول مرة كجنين نُفخت في جنباته الروح.
لقد تطاير السرب من صدري الذي كان عُشه.
ونبتت بين أضلعي جنات عدن جارية.
وامتلأت سنابلي..
فعلمت أن لكل منّا شمسه ونجوماً تسطع في كونه وقمره.. وفصولاً أربعة.. وكواكب وأجراماً ومجرة.
وأبراجاً وتبانة ومسرة.
هل كثير على الإنسان أن يطمئن؟!
أم كثير عليه أن يعيش مرة!!
لا يكفي الإنسان عينه ليرى الدنيا أنه يحتاج عيناً فوق عينه يرى من خلالها..
تغير الواقع وترسم الصُبح وتهطلُ الغيم وتلون الأشجار.. وتضحك في أشد الأيام قسوةً.
كما أنا أرى بعينك التي هي فوق عيني..!
لقد هدأ صقع الأبواب في قلبي
وردفت نهاياته وسكن الهواء الذي كان يلفهُ
واطمأن..!
الشخص الذي يساوي ممراتك ويزيل الأذى من جنباتك ويمهد عثراتك هو شخصك الصحيح
الذي اتضح عليك..
أثمرت به حياتك وطال به عنقك
ثم استقمت..
إني أجمعُ نجاحاتي كما يجمع بائع العنب العنب من ممرات ترتبته.
حتى خلقتُ من حياتي عناقيد في ممرات حياتك!
لقد قصصتُ حُلمي كثيراً فكادوا له..
وعندما مرت عجاف في حياتي تحقق..!
نعم تحقق عندما وُليت أنت خزائني..!
** **
- شروق سعد العبدان