عندما يُطلب منك تقليب صفحات الماضي لتستذكر أناساً كانت لك معهم حكايات أو مواقف، تعلو وجهك ابتسامة الرضا، ويلهج لسانك لهم بالدعاء وتذكرهم بخير، وقد يتطور الأمر معك فتروي لمن حولك من الأهل والأولاد، وقد يكون من الأحفاد، ذلك الزمن الجميل بناسه الذين قلّ أن يجود الزمن بمثلهم.
عندما تم تعييني معلمة خريجة معهد إعداد المعلمات المتوسط كنّا صغيرات في السن كبيرات بحب العطاء والإخلاص للوطن؛ كوننا سعوديات أُسندت لهن مهنة التعليم حتى نصل إلى ما نحن عليه اليوم من توطين هذه المهنة الجليلة. لذلك كان حولنا رجالٌ كنّا نعدهم آباء لنا، وكانوا كذلك ناصحين ومتابعين وموجهين، وقد يصل الأمر إلى إسداء الخدمة برحابة صدر ونبل وخُلُق بعيداً عن المصالح والغايات والأهداف. كان الأستاذ والأديب علي خضران القرني في مقدمة هؤلاء الرجال النبلاء. لا تتحرج إحدانا معلمة أو مديرة باللجوء إليه ليحل لها مشكلة أو ينقذها من موقف أساءت التصرف فيه أو طلب أو حاجة أو شفاعة حسنة. كلمة حق يجب أن تقال في هذا الرجل المخلص، كان بعيداً عن الجدال والخصومات، يحب أن تحل الأمور بهدوء، لا يحبذ الصراعات والمشاحنات، ولذا كما قيل لي قد عانى كثيراً عندما كان نائباً لمدير إدارة تعليم البنات في الطائف، وعندما ترجل هو ومن معه من رجالات تعليم الطائف النبلاء شعرنا أن الزمن لن يعوضنا بمثلهم وضللنا نذكرهم بالخير وندعو لهم.
الأستاذ والأديب علي خضران القرني هذا الاسم الذي أزعم لو سألت عنه من يعرفه أديباً ومؤلفاً وكاتباً سيقول ونعم الرجل خُلُقاً ونبلاً، لا تعرف له خصومات، هو عنوان للسلم والهدوء والعطاء بعيداً عن المشاكسات والمعارك في الأدب والصحافة. ومقالاته ومؤلفاته خير شاهد على ذلك، وكان يسعدني عندما يصل رأيه فيما كنت أكتب في الصحافة من مقالات أو أقصوصات ويعلق عليها، بل وأسعدني وشرفني باختياره لي ليكون اسمي وقلمي المتواضع ضمن مؤلفه الجميل «من أدباء الطائف المعاصرين». ويكفي أستاذنا وأديبنا نبلاً وشرفاً هذا المؤلَف كونه يؤرخ لغيره من أدباء وشعراء وكتّاب مدينتنا الحبيبة الطائف. رعاه المولى وحفظه وأثابه على ما قدّم.
** **
- فاطمة عيفان الحارثي