وصلتُ إلى الطائف للمرة الأولى عام 1424هـ/ 2003م. وتسلمت عملي في كلية المعلمين، وهناك حدثوني عن الحياة الثقافية في الطائف وأهم أدبائها، وحينذك صافح اسم علي خضران القرني مسمعي للمرة الأولى.
كنت كلما حضرت ندوة في النادي الأدبي الثقافي بالطائف لأحد عمالقة الصحافة في المملكة العربية السعودية ممن يشار إليهم بالبنان، أجده يذكر أنه بدأ الكتابة الصحفية منذ زمن بعيد، حيث كان أستاذه في هذا المجال الأستاذ علي خضران، فبدأت أبحث عن نتاجه الثقافي، وجدته قد تُرجم له في كثير من الموسوعات التي ترصد الأدباء السعوديين بوصفه كاتباً للمقالات وشاعراً وقاصاًّ، ووجدته لا يدُخر جهداً في التواجد في الحياة الثقافية بكتاباته وآرائه في الأصدارات الثقافية في المملكة مركزاً اهتمامه في طرح القضايا الاجتماعية والوطنية معبراً عن رؤاه الفكرية.
لمستُ في الأستاذ على خضران الرقيّ الإنساني والتدين العميق والإخلاص فيما يقول والأمانة فيما يكتب والصدق في آرائه التي يطرحها.
وعلى الرغم من شهرة الأستاذ علي خضران في كتابة المقالة الاجتماعية والوطنية والدراسات الأدبية، إلا أن شعره لفت انتباهي لما فيه من عمق ووضوح في الوقت نفسه تتراوح قصائده بين الطول والقصر، وتتنوع بين ما يشغل الذات وما يشغل الناس، وأشعاره ثرية في موضوعاتها سَلِسَةٌ قريبة التناول مع خيال شفيف لا غموض فيه وتصوير بديع مع فصاحة واضحة وبلاغة عميقة يدل عليهما اختياره للألفاظ، فهو يقول على سبيل المثال في قصيدة أحزان قلب:
إذا الحظ يوماً رماكَ
فلابد يأتيك يومٌ أَغَرّ
نلاحظ هنا استخدام كلمة (أَغَرّ) التي جمعتَّ كل ما يمكن أن يكون من صفات جميلة في ذلك اليوم الذي سيأتيه فيجبر خاطره وكَسْرَ نفسه، ويحقق له السعادة بعد الحزن والحرمان، ويملأ زمنه جمالاً مرموقاً، وقد هداه صفاء قريحته إلى اسخدام كلمة (يوم) مع اختلاف ضبطها فهي منصوبة في ذلك اليوم الذي رماه فيه الحظ بسهامه التي أصابته، وهي مرفوعة في اليوم الذي ستتحقق فيه أمنياته ويعيش السعادة المرجوة، واختلاف ضبط اليومين يتوافق مع كونهما مختلفين، فهذا يوم الهزيمة وذاك يوم الهناء.
ويقول أيضاً في قصيدة سنمضي:
سنمضي إلى القدس في وثبةٍ
تَسُرُّ الصديق.. وُتبكي العداَ
لفظ (وثبة) له من الدلالات ما يؤكد أن الذهاب لتحرير القدس سيكون قويًّا ومفاجئاً ومحققاً الآمال، فإن هذه الوثبة سوف تسُرُّ الصديق الذي يتمني لنا الخير، وسوف تجعل الأعداء يبكون من هزيمتهم وانتصارنا، والدقة واضحة في اختيار كلمة (الصديق) الدالة على المفرد وإن كان فيها شبهة الجمع، بالمقابلة مع كلمة (العدا) التي تدل على أن الأعداء كُثْرّ، لكنّ وثبتنا سوف تبدد شملهم.
هكذا يستخدم الأستاذ علي خضران الكلمات في شعره الذي يبدو بسيطاً لكنه في حقيقة الأمر عميق، ينحاز إلى الوضوح ولا يركن إلى الغموض، ولديه إنتاج شعري غزير، يحتاج إلى الدراسة المستفيضة حفظه الله وبارك في عمره ووهبه مزيداً من الإبداع وبارك فيه.
** **
د. فوزى خضر - أديب وباحث مصري