عندما تبادر «صحيفة الجزيرة» إلى إعداد ملف صحفي عن إحدى القامات التربوية والأدبية والثقافية في المملكة، فإنما تجسد دوراً ريادياً طالما اضطلعت به طوال مسيرتها التاريخية.
وعندما تقرّر هذه الصحيفة «الرائدة» توثيق جوانب مضيئة من مسيرة علي بن خضران القرني، التربوي والكاتب الأديب، فإنما تضيء شمعة في طريق الباحثين عن سِيَرِ «الرجال الرموز»، ممن قدموا لوطنهم جل جهدهم، وعصارة فكرهم.
والحديث عن علي بن خضران القرني، لا بد أن يتضمن مشارب شتى، تبعاً لاهتماماته المتعددة، فهو الأديب المتمرس، والمثقف الممارس، والكاتب المنتج، والتربوي المسؤول، وفي ملفه وسيرته الممتدة ما يلخص جانباً من عطاءاته وإبداعاته في هذه المشارب.
لذا سأتوقف قليلاً عند علي بن خضران «الإنسان» من واقع تجربة عاصرتها وعشت جانباً من تفاصيلها.
قبل عدة سنوات تسنم بن خضران منصب مدير عام تعليم البنات المكلّف بالطائف، وكنت حينها مسؤولاً عن التحرير في مكتب صحيفة عكاظ بالطائف، وكانت أزمة نقل المعلمات قد بلغت ذروتها، إذ ذاك، والمعلمات وذويهن بلغوا مبلغاً من الإحباط، تزيدهم أخبار الحوادث المرورية المتزايدة، إذ ذاك إصراراً على تجاوز اليأس، واستمرار البحث عن حلول منتجة تجمع شتات أسرهم، وتقيهم شر نوائب الطريق.
كنت مدركاً بحجم التحدي الذي يواجه الأستاذ علي بن خضران القرني، فقررت زيارته في مكتبه، لإجراء حوار صحفي معه، علي أجد إجابة على الأسئلة العالقة في أفواه المعلمات.
فوجئت لدى وصولي مقر إدارة تعليم البنات بالطائف بكم من المراجعين والمراجعات لم أشهده من قبل، وتزداد الجموع كثافة كلما اقتربت من مكتب المدير «المكلف» علي بن خضران.
لفت انتباهي باب مكتبه المفتوح أمام الجميع، فلا عائق، ولا سكرتير، يحول بينهم وبين المدير، فتسللت بدوري ضمن المراجعين، وبقيت لفترة استمع لحوارات جادة بين الطالب والمطلوب، وكانت معظم الطلبات التي لم تخل بعضها من حدة في الطرح تدور حول حركة نقل المعلمات، مشفوعة بمسوغات «منطقية» سردها المراجعون من المعلمات وذويهن.
كان المدير المكلّف علي خضران في هذه الأثناء ممسكاً بالقلم في يده، وعلى لسانه كلمة طيبة، ويعلو محياه ابتسامة صادقة، فتارة يشرح على معاملة رأى إمكانية مساعدة صاحبها، ويحتوي آخرين تارة ممن يصعب تنفيذ طلبه، بما حباه الله من حسن المنطق وعظيم الخلق ولطف الابتسامة مقرونة بوعد صادق بالعمل على إيجاد حل في وقت قريب.
استطاع «أبو خالد» إدارة تلك الجموع بكفاءة عالية، خرج الجميع على إثرها، ومن أثرها راضون قانعون.
لم يكن علي خضران القرني يملك حينها عصا سحرية، لقضاء حوائج الناس، بل اعتمد على أذن صاغية لهم، وضمير متفاعل معهم، وعزيمة حريصة على إنهاء معاناتهم.
ذلكم التربوي المثقف، حينما يجسد علمه وأدبه وثقافته سلوكاً وأسلوب حياة يلمسها الجميع واقعاً معيشاً.
** **
عبدالله دراج - مدير تحرير جريدة عكاظ