أبصر علي خضران القرني الدنيا في العرضية الجنوبية التي تتبع حاليًا محافظة العُرضيات ببلاد بلقرن، وترتبط إداريًا بمنطقة مكة المكرمة، وقاده الطموح العلمي إلى التوجه إلى مكة المكرمة والطائف، وإلى خارج المملكة في القاهرة؛ للدراسة والتزوّد بالمعارف، فحصل على زاد وفير، وأتبعه بالقراءة المكثفّة التي أسهمت في تنمية ثقافته وصقل مواهبه، فكان أن وثّق صلاته بعدد من الأدباء الرواد، في مقدمتهم: عبدالقدوس الأنصاري، وأحمد السباعي، ومحمد حسن عوّاد، وأحمد عبدالغفور عطّار، وغيرهم، وأثمرت هذه الصلة بهم عن رغبة في الكتابة الشعرية والنثرية إذْ لقي منهم، وخاصة عبدالقدّوس الأنصاري، تشجيعًا ومساندة جعلته يواصل الكتابة دون انقطاع منذ منتصف السبعينيات الهجرية وحتى اليوم في عدد من الصحف والمجلات مثل: الندوة، وعكاظ، والمنهل، والبلاد، والمدينة، والجزيرة (المجلة الثقافية)، وغيرها.
وبالنظر إلى إنتاج علي خضران القرني المقالي نجده متنوعًا، ففيه عروض الكتب ونقدها، والمقالة الأدبية التي تطرح هموم الأدب والأدباء، والمقالة الاجتماعية، والمقالة السياسية، والمقالات الثقافية الشمولية، كما نجد أنه يتخذ عنوانات ثابتة أحيانًا ويكتب تحتها موضوعات مختلفة، ومنها زاويته «خطرات فكر» التي تحول عدد من حلقاتها إلى كتاب حمل عنوان «خطرات فكر في رياض الشعر والنثر»، وصدر عن نادي الطائف الأدبي عام 1441هـ- 2020م.
على أن تجربة الأستاذ علي خضران القرني في التأليف قديمة، وتعود إلى ما قبل خمسة وأربعين عامًا عندما جمع جملة من مقالاته التي كان ينشرها في الصحف والمجلات، ودفع بها إلى نادي الطائف الأدبي، فكان من أوائل إصدارات النادي، وحمل عنوان «صور من المجتمع والحياة»، وطبع في عام 1397هـ- 1977م، ثم طوّر مقالته «تعريفات وجيزة بأدباء شباب الطائف» التي نشرها في عام 1388هـ إلى كتاب نشره عام 1410هـ بعنوان «من أدباء الطائف المعاصرين»، وضم ما يزيد على خمسين ترجمة وضم نصوصًا مختارة من أدبهم، ويعد من أوائل الكتب التي عرّفت بأدباء الطائف، ولقي اهتمامًا من لدى الراصدين والمهتمين بالتراجم، وهو ما شجّعه على المضي قدمًا في تطوير مادة الكتاب وتحديث معلوماته وإضافة تراجم أخرى عديدة، فأصدر الطبعة الثانية عام 1432هـ- 2011م عن نادي الطائف الأدبي، وضم ما يزيد على مئة ترجمة.
كما واصل الأستاذ علي خضران القرني مسيرته مع التأليف، فأصدر في عام 1410هـ- 1990م مختارات شعرية حملت عنوان «أبها في مرآة الشعر المعاصر»، ثم أصدر كتابه «قراءات عابرة» عام 1425هـ- 2004م عن نادي الطائف الأدبي، ثم أصدر عام 1435هـ- 2014م كتابًا عن الشاعر عبدالله باشراحيل عنوانه «قراءة في شعر الدكتور عبدالله محمد باشراحيل».
وقد خاض الأستاذ القرني تجربة العمل في المؤسسات الثقافية عضوًا مؤسسًا وفاعلاً، وكان من الأدباء الذين تقدموا بطلب تأسيس نادٍ أدبي في الطائف، وصدرت الموافقة لهم في عام 1395هـ- 1975م، وأصبح منذ ذلك التاريخ عضوًا في مجلس الإدارة، ثم نائبًا لرئيس المجلس حتى عام 1432هـ- 2011م عندما أُقرت الانتخابات، ورأى إتاحة الفرصة للأجيال الشابة للعمل في النادي.
وأما معرفتي بالأستاذ علي خضران القرني فقد مرت بمرحلتين: الأولى منذ ما يقرب من أربعين عامًا متابعًا لقلمه في الصحف والمجلات، ومراقبًا لعمله البارز في نادي الطائف الأدبي دون أن ألتقي به شخصيًا، ثم جاءت المرحلة الثانية التي تعرفت فيها عليه شخصيًا وتوثقت الصلة به، وبدأت القصة حينما انتُدبت من قبل جهة عملي السابقة (وزارة الإعلام) عام 1412هـ- 1991م؛ لتسجيل مقابلات ثقافية مع بعض الأدباء خارج مدينة الرياض، فزرت بعض المدن، ومن بينها مدينة الطائف، فتواصلت مع الأستاذ حمّاد السالمي، وطلبت منه أن يرشّح لي بعض الأدباء؛ للمشاركة في برامجي الإذاعية الثقافية، فرشّح بعض الأسماء، وكان من بينهم (الأستاذ علي خضران القرني)، فتواصلت معه، فرحّب بذلك، بل وحدّد موعدًا في منزله على العشاء، وقال: إنه سيعرفني على أدباء آخرين، ولم يكن بد من تلبية هذه الدعوة الكريمة التي سهّلت مهمتي كثيرًا!
وعندما عدت إلى الرياض لم ينقطع تواصلي معه إذ طلبت منه حوارًا صحفيًا لجريدة المسائية التي كنت أعمل فيها مشرفًا على الصفحات الثقافية، ونشر الحوار بالفعل، وكان له صدى عند من يعرف قدره إذ كان قبل هذا اللقاء مقلاً في الحضور الصحفي لانشغاله بأعمال النادي وعمله الرسمي في تعليم البنات.
ويبدو أن هذا اللقاء كان له تأثير في مد جسور التواصل بيننا إذ كسبته متابعًا للصفحات الثقافية التي أشرف عليها، وكان أن اقترح على مجلس إدارة النادي عقد ندوة تناقش هموم الصفحات الثقافية، فوافق المجلس، ونظّم النادي الندوة بعنوان «الصفحات الأدبية ودورها تُجاه الناشئة»، وشارك فيها: الأستاذ محمد موسم المفرجي (عن جريدة الندوة)، والأستاذ عبدالله بن سليم الرشيد (عن مجلة الدعوة)، وعبدالله الحيدري (عن جريدة المسائية)، وأدارها الأستاذ علي خضران القرني، وكان ذلك في عام 1413هـ- 1992م.
ومن طرائف هذه الندوة أن النقاش طال أكثر من الوقت المحدّد، وكذلك المداخلات، وكنت بجوار مدير الندوة فوصلته ورقة صغيرة من أحد المسؤولين في النادي يقول فيها: «أستاذ علي: آمل إنهاء الندوة.. العشاء برد!».
ومرت سنوات كنت ألتقي فيها بالأستاذ علي كلما قدمت إلى الطائف، وخاصة في النادي الأدبي حيث الالتقاء بآخرين من الأحبة، وكان يرسل إلي تباعًا مؤلفاته، وآخرها وصولاً «قراءات عابرة»، وما زلت أنتظر الجديد من مؤلفاته، وخاصة التي أعلن عن قرب صدورها، ومنها ديوان «آهات»، وقصة «العمى ولا العمّة».
وختامًا: فإن الأستاذ علي خضران القرني من الأدباء الجديرين بالاحتفاء، وهو يحمل إضافة إلى مواهبه أخلاقًا فاضلة وتعاملاً راقيًا، أطال الله في عمره، ونفعنا بإنتاجه الثقافي المتنوع.
** **
أ.د.عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري - أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - (رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض سابقًا)