زكية إبراهيم الحجي
ما الذي يجذبنا إلى مشهد الشفق عند بداية غروب الشمس.. لماذا ينتاب البعض السكون والصمت عندما يتأمل انغماس الشمس في حمرة الشفق.. ويتفكر في إبداع الخالق لهذا الكون.. ما الفائدة التي نجنيها من زيارتنا للمتاحف وربما نقطع مسافات طوال ونتحمل عناء سفر كي نشاهد رسوم مخطوطة عمرها آلاف السنين.. أو نتسمر أمام لوحة من لوحات بيكاسو المعقدة أو منحوتة من منحوتات دافنشي الساحرة مع علمنا بأننا لن نقتنيها بل نستمتع بمشاهدتها فقط.. وما الذي يدفعنا لإعادة قراءة ديوان شعر أو رواية سبق أن قلَّبنا صفحاتها مئات المرات وفي كل مرة نشعر بانتشاء ونحن نقرأ وكأننا نقرأه لأول مرة.. أسئلة كثيرة تُطرح لكنها لا تحتاج إلى بحث لمعرفة الإجابة فالإجابة واحدة ومحدودة إنها فلسفة جمال الفن الراقي الذي يفتح لنا آفاق التأمل لنتاج عبقرية الإنسان الكامنة في فكره ووجدانه.. فلا توجد حضارة عرفها الإنسان إلا وكانت وسيلته للتعرف عليها رموزاً فنية أبدعت صنعها يد الإنسان وبقيت خالدة لم يطمسها غبار الزمن.
التاريخ وعاء حافظ لتراكمات التجارب البشرية وتفاعلاتها منذ أن بدأ الإنسان عمارة الأرض.. والفن يُمثل مرآة لثقافات الشعوب منذ الأزل لذلك يمكننا أن نعتبر التاريخ سلسلة متواصلة الحلقات للأحداث التي يُظهرها الفن بدءًا من العصر الحجري الذي تميز بفنون غاية في البساطة لكنها متوافقة مع متطلبات ذلك العصر وانتهاءً بعصرنا الحالي الذي تعددت خلاله أنواع الفنون الراقية مشبعةً بذلك إحساس الإنسان المتذوق للجمال.. ومقرة بمقدرة وعبقرية الوعي الإنساني على تجاوز حدود الخيال لصياغة لغة فنية تعبيرية يُخاطب بها حواس المتلقي المتذوق للجمال، فالفنون الراقية مرفأ يتردد إليه كل إنسان عاشق للإبحار في عالم الخيال والإبداع لإشباع عقله ووجدانه بروائع ما صاغه وجسده عباقرة الفنون من جماليات فنية تعكس نشاطاتهم ومشاعرهم ومدى علاقة هذه الأعمال الفنية تصويراً ورسماً.. ونحتاً وأدباً وغيرها مع الفنان الذي أنتجها وانعكاساتها على المتلقي العاشق للجمال.. ومدى قدرتها على استنطاق الذات البشرية للتعبير عن كل ما يمر به من مشاعر وأحاسيس تعتلج في صدره.
الفن بمختلف أنواعه وألوانه من أهم ما خلفه الإنسان على وجه الأرض ومن أفكار الفنانين ظهرت الابتكارات والاختراعات التي سهلت حياة الإنسان ونمَّت الحس الفني لديه.. ولا ريب بأن الإنسان بحاجة إلى معايشة الفن ولكن ليس أي فن بل الفن الراقي الذي يسمو بالنفس ويضيف فسحة مشرقة لحياته ويمده بنفحات يفوح منها عبق الجمال وتمسح عنه غبار المتاعب والهموم، فعشقُ الفن لا يكون للفن ولكن للذي أسمى.