محمد بن عبدالله آل شملان
في زيارته لنورة بنت عبدالله آل عسيلة، كشف صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، أمير منطقة عسير، رئيس لجنة إرساء السلم المجتمعي، عن مفهوم الحقيقة، حقيقة الروح الشفَّافة التي تكمن في شخصية إنسانية ندر نظيرها، وقلّ مثيلها، إنسانية تتعلق في فضاء الأفئدة، فتعشب بهجة، وتخصب سروراً، وتصخب فهماً وإدراكاً، وتسير في المعنى بشكل عميق نحو وسط الوطن، نحو مقدمة التراب الذي سارت عليه أقدام من طبعوا على حياتنا بالفرح والسعادة، وبنوا وجداننا بالاعتزاز والفخر، وجعلوا من الإنسان في هذا الوطن له مكانة ومنزلة ومرتبة على خد الوجود.
في زيارة سموه لنورة آل عسيلة، تلقينا معاني الإنسانية وكتم الغيظ والإحسان لجارها الذي قتل ابنها دون شرط أو طلب، التي بادرت بها «شيخة المجيرين»، تلك المبادرة التي تلمست طريقها إلى مشاعر كل من تابع هذا الحدث الكبير، وكل من يعرف معنى الدمعة عندما تنزل فرحاً، تغسل محيا «المستجير».
زيارة سموه لها بمنزلها في مركز خيبر الجنوب التابع لمحافظة خميس مشيط، واستقبال سموه في مكتبه بديوان إمارة عسير مؤخراً، المواطنة وأبنائها، بعثت في النفوس إشارات عديدة، أولها تلك النبضة المنبعثة من قلب قائد منطقة لترفع من شأن امرأة سعودية نادرة استطاعت بإرادة تأصيل المعاني وتعاليم وقيم الدين الإسلامي الحنيف أن تشد من العفو والتسامح والكرم والشهامة وتذهب في المحيط الاجتماعي متكاتفة بما ورد في وثيقة إرساء السلم المجتمعي في عسير القائمة على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}، قناعتها بأنها كامرأة تستطيع أن تشق الطريق وأن تذهب بعيداً، متأسية بشريعتنا الإسلامية السمحة، بالإضافة إلى تطبيق ما تحمله رؤية المملكة 2030 من أهمية الترابط المجتمعي الذي يكفل للمجتمع أن يسير بثبات نحو مستقبل زاهر.
واليوم عندما تبرز نورة بنت عبدالله آل عسيلة، فإنها تؤسس منهجاً، من سار عليه من السالفات ومن اقتفى أثره من الطيبات، ومن نهل من نبعه، ومن ارتشف من ذلك الموقف العذب، بكل إنسانية وخلق، سيكون لها أجرها، وقد أثبتت بأن المرأة والرجل لا يتجزآن، ولا يختلفان في حفظ الضرورات الخمس المتمثلة في حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال، وحفظ حق الجار، كما في كسب الإعجاب والزهو والتصفيق والإشادة والثناء.
هذه الإطلالة الرهيبة لابنة المملكة العربية السعودية هي التي أسعدت «أبو طلال»، ورسمت البسمة على محياه، وملأت قلبه بهجة، ومنحت مشاعره افتخاراً، وهذه هي شيمة المسؤولين، والذين يقودون بأبوة، ويرعون بمروءة، ويباركون الشيم والأخلاق بقوة.
مشهد يستثمر في الوجدان، ويزهر في الثنايا والمشاعر، يمنحك عندما تريد أن تكتب في مثل هذا الموضوع تفكر كثيراً لكي تضع الكلمة في مكانها، ولكن مهما نحرص وندقق يبقى المشهد أعظم وأرفع من كل التعابير، لأن أفعال الرجال النجباء، تتجاوز حدود الألفاظ والمشاعر، وتعبر في الضمائر دون تصريح أو تخمين، إنه مفهوم الحقيقة الدامغة، في حياة أمير قدَّر مواطنيه، فخرجت له المشاعر، وسارت لأجله الخواطر.