عطية محمد عطية عقيلان
لم يدر بخلد مؤسسي تويتر عندما اختاروا الطائر الأزرق كأيقونة لتطبيقهم بجذب مئات الملايين من المستخدمين حول العالم، أنهم يصنعون طائراً أزرق كان وديعاً ولكنه مع الأيام نمت له أنياب حادة ومخالب فتاكة «طبعاً قوة افتراضية»، وغدت وسيلة مؤثرة وذات قيمة وعائد مالي بمليارات الدولارات، وتعتاش على جذب المستخدمين ومن ثم المعلنين، مع قوانين تغريد ونشر لما يحقق أهدافهم ومصالحهم مع ظهور تقييد لبعض الحسابات تبريراً بالحرية وعدم التعدي على الأشخاص. فأصبح لدى إدارة تويتر أنياب ومخالب مؤثرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وصارت قوة مؤثرة في توجيه الناس والناخبين وحتى ذوقهم وفكرهم، ورأينا في الماضي القريب كيف قيدوا حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومنعوه من استخدام منصتهم لأنه خالف قوانينهم ومعاييرهم مع ممارسة ذلك على آلاف المستخدمين، طبعاً هذه الأنياب والمخالب تظهر وتختفي حسب المصالح وإدارة المواقع وتوجهاتهم وأهدافهم وتمارسها كافة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام حسب أهدافهم، فنراهم أحياناً وديعين وحمامة سلام ويتضح ذلك جلياً مع استجابتهم لدعوة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بدعوة منصات التواصل لحذف المحتوى المناهض لإسرائيل والاستجابة السريعة للنداءات من المكتب الإلكتروني الحكومي الإسرائيلي.
وتحول ذلك أيضاً مع مستخدمي تويتر، والذي يبدأ كحمامة سلام ينشر القيم والمثاليات والفضيلة والتسامح حالهم كحال الطائر في الأيقونة، ولكن مع زيادة المتابعين تبدأ أنيابهم ومخالبهم بالنمو والتحول في الآراء والتغريدات حسب الموجة والمصلحة الشخصية لاستقطاب أكبر عدد من المتابعين ليصبح نسراً ضخماً ينظر ويفتي في كل مناحي الحياة ويصبغ على الدول والشخصيات العامة الألقاب والاتهامات، يمارس التناقض وكأنه يمشي على الحبال دون مراعاة لعمره أو مكانته أو قيمه أو انتمائه الديني والوطني، المهم شيئين لديه: أن يغرد أكبر عدد ممكن والثانية أن يجذب المزيد من المتابعين والمعجبين ولو كان طرحه شعبوياً، ولاحظنا في منطقتنا كيف حولت أزمة كورونا كثيراً من الأطباء والمحللين السياسيين والمثقفين «للتبطح» في تويتر وإصدار النظريات والفرضيات والعلاج والاقتراحات والخزعبلات لاسيما ما يجذب المتابع ويجد تفاعلاً منه، وتحول كثير منهم بعد أن كبرت أنيابه ومخالبه للتنظير في حياة العامة والتدخل في الشأن الاقتصادي ونشر النظريات والاقتراحات والحلول الأسرية وكأنه مخضرم في عالم المال والأعمال وخبرته في كثير من الأحيان مستقاة من النت وجلسات الاستراحات وكلام العوام. وظهر لنا مغردون بعد اكتمال نموهم الافتراضي باستخدام هذه الأنياب والمخالب بالتحول إلى طاووس مغتر يزهو بريشه وبنظرته الثاقبة وآرائه الحكيمة وإسهاماته في مجتمعه وبمتابعين يعززون له كل شاردة وواردة يخيل إليك وكأنك أمام أرسطو أو ابن خلدون أو طه حسين، مع قوة قلبه في الفتوى في جميع المجالات والعلوم ومناحي الحياة وفي تناقض وتظليل في المعلومات دون خجل أو إحساس بالذنب وذلك لأن متابعيه كريش الطاووس يغطي كل خلل في طرحه، لذا أنصح نفسي وكل مغرد بأن هذه الآراء والأقوال والتغريدات إما أن تكون لك أو عليك وألا نغتر برأي لاسيما في قضايانا الوطنية والدينية والقيمية، ولا نبحث عن «عورات» تغريدات الآخرين لنحقق انتصاراً في كشفهم، متناسين حالنا وعيوبنا وتناقضنا ومثاليتنا الزائفة وكما يقول الأديب البنغالي طاغور «السنونو يشفق على الطاووس لحمله هذا الذنب» فلنشفق على أنفسنا من عواقب تغريداتنا ولنمارس أضعف الإيمان غرد بخير أو أصمت.